النفط في فلسفة السياسة!

آراء 2018/12/01
...

عبدالامير المجر 
في واحد من كتبه، يرى المفكر الماركسي هربرت ماركوز، أحد أبرز (جماعة فرانكفورت)، أنَّ سبب تفوق الرأسمالية وهيمنتها، يعود الى سيطرتها على عصب الاقتصاد العالمي.. وأنقل هنا بالمعنى القريب من النص.. وعصب الاقتصاد العالمي يتمثل بالطاقة، وفي مقدمتها النفط، السلعة الأهم، لا سيما في القرن العشرين وما زالت، وعنوان غنى بعض الدول وفقرها أيضاً! واستقرارها واضطرابها كذلك. من هنا جاء اهتمام الدول الصناعيَّة الكبرى، بمصادر الطاقة في العالم، وسعيها للسيطرة عليها بأساليب متعددة، بدأت بمرحلة الاستعمار المباشر، واستمرت الى اليوم، وكلها تلتقي عند فكرة واحدة، هي انَّ هذه السلعة يجب أنْ تبقى بأيدينا، نستخدمها في صناعتنا ونحارب بها خصومنا أو منافسينا في الوقت نفسه. وبما أنَّ الدول الصناعية الرأسمالية، سبقت قيام الاتحاد السوفييتي ومنظومته الشيوعية وحلفائه الاشتراكيين، فإنَّ وضع اليد مبكراً على مصادر الطاقة، جعل تلك الدول متحكمة بالاقتصاد العالمي من خلال تحكمها بسوق النفط... حاولت منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) أنْ تجد لها سبيلاً للاستقلال، وخلق سوق مناسبة لمصالحها، إلاّ أنها اصطدمت بعقبة الاستقلال السياسي الذي يجب أنْ يكون مدخلاً للاستقلال الاقتصادي، والعكس صحيح ايضاً، وقد نجحت الى حد ما، لكنها اصطدمت بالمشتبك السياسي العقائدي الذي حكم العالم خلال حقبة الحرب الباردة، والاستقطابات الحادة التي لعبت دورها في صياغة أمزجة سياسية متناشزة، حتى داخل الدول المتداخلة ثقافياً (العرب مثالاً) ومن ثم لم تحقق أوبك هدفها السياسي المنشود، لفشلها في إيجاد مشترك حقيقي يوحدها، ناهيك عن تصادمها في ما بينها لاحقاً، والذي لعب النفط وكيفية استثماره دوراً كبيراً فيه، ومن خلال الكواليس الدولية السوداء، التي ظلت تصنع الأحداث وترسم مخرجاتها وفقاً لمصالحها.. (حرب الخليج الثانية) مثالاً صارخاً.
في السنين الأولى لاحتلال العراق، تابعت لقاءً تلفازياً مع شخصيَّة دبلوماسيَّة عراقيَّة، قريبة من الثقافة الأميركيَّة، حاول خلال اللقاء أنْ يسفّه طرح القائلين بأهمية النفط لأميركا، أو إنها أتت للمنطقة لأجله، مبيناً في سياق طرحه، أنَّ أميركا مكتفية من هذه السلعة، ولم تعد بها حاجة إليها، كما يتصور البعض، والكلام للسيد الدبلوماسي. وهذه في اعتقادنا، قراءة قاصرة في فهم علاقة أميركا بالنفط وغرامها الطويل به!
تابع العالم مؤخراً، مسلسل العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران، وكيف أنَّ إدارة ترامب عملت على منع إيران من تصدير نفطها، للضغط عليها.. وفي العموم نجحت، باستخدامها وسائل ضغط متعددة، في منع عدد غير قليل من الدول المستوردة للنفط الإيراني، لكنها واجهت مشكلة أخرى، تمثلت بارتفاع أسعار النفط، ما جعل الكمية القليلة المصدرة من النفط الإيراني للدول المستثناة من الالتزام بالعقوبات، تعادل تقريباً الواردات المالية السابقة مaن النفط الإيراني المباع بكميات أكبر، الأمر الذي سيجعل من العقوبات غير فاعلة في هذا القطاع.
لا شك إنَّ الصراع السعودي الإيراني، كان حاضراً في مسألة الهبوط المفاجئ لأسعار النفط، لأنَّ السعودية تريد تأثيراً أشد للعقوبات على إيران، يدفعها للتفاوض في ملفات تشتبك معها فيها، سواء في اليمن وسوريا ولبنان أو غيرها من الميادين الأخرى، وهي بالتأكيد رغبة أميركية لإخراج إيران من تلك الميادين ايضاً، ولذلك رفعت السعودية حجم الكميات المصدرة، وايضا فعلت أميركا الأمر نفسه بإنتاج كميات أكبر، من نفطها الصخري وغيره، ليرتفع المعروض ويتراجع سعر النفط عالمياً، أي إنَّ الأمر سياسة بوسيلة اقتصادية، وهو ما يجعل مسألة التواجد الأميركي في الشرق الأوسط، مخزن الطاقة العالمي الأكبر، خياراً ستراتيجياً لا تراجع عنه بالنسبة لأميركا، ليس فقط للضغط على إيران وحدها، بل على الدول الكبرى المنافسة، من تلك التي تستورد النفط الإيراني وغيره.