زوجة الكاتب

ثقافة 2020/02/12
...

محمد جبير
أسرار الحياة الخاصّة للكاتب من الصناديق المغلقة التي لا يمكن أن يبوح بها الكاتب للآخرين، وقد ترحل معه إلى العالم الآخر من دون أن تعرف تلك الأسرار، أو يكشف عنها لاحقاً على شكل تكهنات أو تصورات و أمور
أخرى.
فقد وثّقت كتب السيرة والاعترافات جوانب كثيرة من هذا الموضوع بما فيه المعتم والمضيء، في الجانب الحياتي الأسري وانعكاساته على إبداع كبار الكُتّاب في العالم،
وقد ذهبت الدراسات السيرذاتية للكثير من المشاهير في اكتشاف تلك العلاقة عبر البحث الاجتماعي الإبداعي، ورصد انعكاساته في النصوص الإبداعية.
إذ أشارت الدراسات النقدية على سبيل المثال لا الحصر الى طبيعة الحبّ العميق بين “إلزا” والشاعر الفرنسي “أراغون”، وفي التجارب العراقية الإبداعية تبقى راسخة
في الذاكرة الإبداعية تجربة الشاعر المبدع “يوسف الصائغ” في سيدة “التفّاحات الأربع” التي رثى بها زوجته بعد رحيلها بأيام، وكذلك تجربة الشاعر “محمد مظلوم” في قصائده إلى زوجته
 “فاطمة”، وهناك أيضا الكثير من الزوجات الرائعات اللائي وقفن إلى جانب أزواجهنّ في مواصلة مشاريعهم الإبداعية، ليكونوا قمماً في الفضاء الأدبي العراقي
والعربي. أثارت قراءتي كتاب “دستويفسكي في مذكرات زوجته”، وقامت بكتابته “آنّا غريغوريفنا” زوجة “دوستويفسكي”، وقام بترجمته “الدكتور هاشم حمادي”، فمنذ نشره، قبل عقود، أثارني إلى متابعة ورصد تلك العلاقة بين المبدع والزوجة على مستوى الإبداع، حضور جزئي أو كلّي، محفّز
أو معيق، رصد الإشارات الدالّة بين السطور، وفي حقيقية الأمر لمست عند بعض الكُتّاب الأصدقاء العلاقة الإيجابية الفعّالة والمؤثّرة في المشروع الإبداعي وتطوير المشروع الإنساني الحياتي، حيث وقفت الزوجة مع الزوج الكاتب في السرّاء والضرّاء، في المرض أو الصحة،
 في سجنه أو حريته، وعلى مدى أكثر من أربعين عاما عشنا مع أصدقائنا وعوائلهم الكثير من تلك النماذج الرائعة، وإذا أردت أن أذكرهم بالأسماء فهم كثر، إلّا أني لم اقرأ للزوجات المحترمات ومن فيهن على مستوى عالٍ من الثقافة أن قامت بالكتابة عن تجربة المناصرة والمساندة للزوج في مشروعه
الإبداعي. 
إنّ ما قامت به زوجة دوستويفسكي هو عمل إبداعي رائع وممتع، وكشف للجوانب الخفية من الحياة الاجتماعية للكاتب، وقدّمتها من وجهة نظر المرأة الزوجة “الحنونة والعاشقة والمحبّة لزوجها”، 
وكشفت عن المستوى العالي لغيرة الزوج، وكذلك روحه الطفولية واحترامه الكبير للرموز الإبداعية من جيله، هذا الكاتب يضيء الجوانب العصية على التلقي في أدب هذا الكاتب الخالد على
مرّ التاريخ.