انتحار تكتيكيّ

ثقافة 2020/02/15
...

  حميد المختار 
لم يفهم الموت الطريقة التكتيكيّة للبشر في التحايل عليه والهروب منه حتى وإن نجوا منه فترة من الزمن، ولكن في الأخير ستكون المواجهة بطرق مختلفة، أغلبها سيكون قتلاً وعنفاً ودماءً إن كانت هذه المواجهة في بلد كالعراق، لكن الانتحار ربما كان يرنو إلى فرصة جديدة للحياة بعيداً عن أهوال الحرب ودمويتها، وهذا ما حدث في رواية الدكتورة تهاني محمد (انتحار تكتيكي)، هذه الرواية فاجأتني بطريقة كتابتها، بلغتها وأحداثها وحركية الحدث وتناميه في وحدة متكاملة، وإن بدر منها تهويل هنا ومصادفات هناك، لكن في النهاية استطاعت الكاتبة أن تسيطر على أحداثها وأبطالها بطريقة احترافية واضحة وإن كانت خبرتها في تجربة الكتابة السردية ليست طويلة فهي لديها مجموعة قصصية بعنوان (في زحام الحياة)، ورواية عنوانها (ما زلت أعشقها)، وقد ينمّ هذان العملان السرديان عن موهبة ما لديها لكنها في الحقيقة أثبتت جدارتها في هذه الرواية التي تحكي قصة جندي عراقي في الحرب العراقية الإيرانية يرفض الحرب ويرفض النظام الدكتاتوري ولا يريد أن يدنس يديه بالدماء وأن يخوض قضية لا تعنيه من قريب أو بعيد، إنّما تخص الدكتاتور المجنون وحده، بمعنى أنها ليست قضية وطن والدفاع عنه، لهذا حاول بشتى الوسائل أن يتخلص ويبتعد ولم يجد غير طريقة واحدة وهي أن يصوب فوهة بندقيته على ساقه بدل أن يوجهها إلى إنسان وبذلك سيكون جريحاً ويخلى من الجبهة إلى المستشفى (إنهم يريدون منا أن نكون شيئاً بلا روح، مثل قطعة مطاط أو خشب، جماداً لا روح فيه، خاضعاً لا يغضب ولا يثور، اعذري جنوني يا ندى، سأطلق الآن رصاصتي الأخيرة ولن أكون بهيمة في حرب أُوارها المتقد شارف على عامه الخامس ولهيبه يزداد ضراوة دون أدنى أمل في الخمود) ص7. لكن البطل حين يخلُى يقاد إلى المعتقل بعد أنِ اكتشفوا فعلته وهي في عرفهم جبن وتخاذل وحتى خيانة، من هنا تبدأ دوامة الأحداث التي تبعده عن حبيبته (ندى) التي من المفروض أن يذهب لها وأن تتم خطبتها. لكن لا شيء من هذا يحدث فتتغير جميع البوصلات وتنحرف الاتجاهات إلى غير ما كان مخططاً لها. الرواية سياحة بانورامية واسعة ابتدأت من الحرب العراقية الإيرانية وانتهت في أحداث الارهاب والفتن الطائفية رغم أن عدد صفحاتها لا يتجاوز الـ (200) صفحة، حتى أنها، في صفحاتها الأخيرة، صارت تتعجل الأحداث وتريد أن تنهيها، وربما تعبت من تشابكها وتواليها لكنها، وبين واقع وحلم ووهم، أوصلت لنا الختام واتضاح مصائر الأبطال خصوصاً الشخصية الرئيسية (حسين) الذي كان أشبه ببطل (الساعة الخامسة والعشرون) الذي قاسى من الأهوال والصعاب وهو يخوض في أوحال الحياة وغرائبيتها. في الختام أقول إن الكاتبة تهاني محمد اسم جديد يدخل في عالم السرد الروائي العراقي، وأنا أتوقع لها مكانة مضيئة في تخصصها السردي الذي يضاف إلى تخصصها الطبي.