ماهود يرسم الملك جلجامش

ثقافة 2020/02/16
...

شيكاغو /  لمياء نعمان
عشر لوحات رسمها الفنان د. ماهود أحمد المقيم في شيكاغو لملحمة كلكامش السومرية للدكتور طه باقر فكان اصدارا جميلا حمل عنوان (الملك جلجامش والطوفان)، نص ورسوم للدكتور الفنان د. ماهود أحمد، صدر عن دار النشر كل شيء / حيفا
حيث تقول الحكاية: إنه في قديم الزمان وسالف العصر والأوان في بلاد سومر وأكَد أرض وادي بلاد الرافدين ومكان الآلهة العظيمة، تحصل أحداث في مدينة أوروك عالية الأسوار، شامخة القصور، كثيرة البساتين والزرع
والمياه.
كان يحكمها ملك اسمه كلكامش، وقد وهبته الآلهة هيبة جسمية كانت كالثور
 الوحشي، متجبر ظالم شديد البأس وقوي لا يجاريه أحد من قومه، والآلهة منحته ثلثين من صفاتها والثلث الآخر أبقته من البشر ولهذا عرف الأسرار وأخبار الطوفان وأسماء الملوك والآلهة العظيمة.
لكن الآلهة استجابت لنواح أهل أوروك بسبب ظلمه وقسوته واستبداده، فقررت خلق بطل شبيه لكلكامش في قوته وبأسه فقامت الأم (ننسون) بأخذ حفنة من التراب وخلطتها بماء نهر الفرات لتصنع شخصا صار اسمه أنكيدو، فتحدى كلكامش في ساحة بوابات السور واشتبك البطلان وتصارعا كثوريين وحشيين واشتد الصراع بينهما ليتمكن كلكامش من الانتصار على غريمه. لكنه طلب منه أن يكون صديقه ويشاركه أسفاره ومغامراته
 فأصبحا صديقين، وعند أسفارهما قتلا حارس غابات الآلهة الكثيفة (خمبابا) المرعب ممّا أغضب الآلهة عشتار لتشكو غضبها لأبيها الإله (آنو)، وطلبت قتل الصديقين عن طريق خلق ثور لقتلهما، لكنهما صرعاه و قتلاه أيضا. ومع مرور الأيام مرض أنكيدو ومات، فتألم كلكامش كثيرا وأصبح يزأر كالأسد الهائج حتى تعب وانهار، فأصابه الذعر لأول مرة وفكر بالموت، وتساءل لماذا يموت الإنسان، ولماذا لا يكون خالدا، وما هو سر الخلود؟ وبسبب التفكير قرر ترك مدينته وأهله والرحيل للبحث عن الخلود وأسراره، فهام على وجهه في البراري وسافر بعيدا إلى أن التقى (آتونا بشتم ..
نوح الطوفان) ليسأله عن الخلود، فأخبره بسر من أسرار الآلهة وحثه للبحث عن نبات شوكي ينبت في المياه العميقة فإنْ أكله سيجد الحياة الخالدة، فذهب كلكامش للبحث عن هدفه وغاص بالأعماق فحصل على غايته، لكنه أراد الاغتسال من المياه اللزجة، فوضع النبات جانبا واغتسل في مياه بئر، فاستغلت الأفعى انشغاله وسرقت النبتة وأكلته، وفي الحال نزعت جلدها القديم وصار لها جلد جديد وصارت أكثر نضارة وحيوية وشبابا، فندب كلكامش حظه العاثر واستذكر رحلته الطويلة لغرض الحصول على (ماهية الخلود
 وكيف).
لكنه، وأثناء رجوعه باتجاه مدينته، تفحص أسوارها العالية وبناءها الشامخ ونظر إلى حوله من نخيل ومزارع وفخامة معبد عشتار فانتبه للحالة كلها وأيقن الفكرة التي هرب منها، وقال في نفسه: إن هذا البناء وهذه الأسوار والمعبد هي التي تجعله شخصا خالدا وحيا دائما في ذاكرة الناس، وإن الإنسان حين يعمل لخير البشرية سيجعله ذلك خالدا
 عبر العصور.
ولحسن الحظ التقيت الفنان الدكتور ماهود أحمد في داره بولاية شيكاغو ليحدثنا عن سبب اختياره مثل هذا النص الأسطوري ورسم الحكاية بطريقة تواكب روح عصر كلكامش. الفنان ماهود، والذي استهوته أساطير بلاد وادي الرافدين، يقول أنا أحب تلك الأساطير والحكايات ومهووس بها لأنها أعطت البشرية أجوبة منذ البداية حول الخليقة ومعاني الحياة والموت وسر الخلود، وبها استطاع العالم على ضوئها أن يفهم قضية الكون
 ونشوءه وما ترتب على ذلك من مفاهيم ما زالت تدور في أذهاننا، وأتخذت من ترجمة ملحمة كلكامش السومري للدكتور طه باقر عبرة لا نتوقف عند الترجمة فقط بل علينا إضافة جدلية الفن مع النص لتتناغم وتظهر لنا سحرا جميلا يمنحنا الولوج في عالم الأسطورة، ومنذ الطفولة وهذه الأسطورة عالقة في ذهني، كنت أعشقها ففيها تفاسير ما زالت تؤرق الكثير منا فهل يمكن للإنسان أن يكون خالدا؟
يضيف الفنان الدكتور: أعطتنا هذه الأسطورة الكثير من القيم والجدال والتفكير الذي كان سائدا في بلاد وادي الرافدين والذي تأثر بها الأغريق والرومان كما في أساطيرهم بالإلياذة والأوذيسة والتي يمكن القول إنها طرحت الكثير من التساؤلات للكثير من الأساطير في العالم، لذا كان النص والرسم يلحّان عليّ لغرض الظهور بهذا الشكل من الكتاب
الذي يحمل أسطورة جميلة خالدة.