سيرة ترانسترومر

ثقافة 2020/02/16
...

ناجح المعموري 
سيجد الذي قرأ المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر ترانسترومر نفسه أكثر حضوراً ومعرفة بالتجربة الذاتية لهذا الشاعر العالمي المهم، وعلى الرغم من تركيز سيرته الذاتية واختصارها كثيراً لأنه لم يعط سيرته اهتماماً، لأنه يعرف بشكل جيد بأن تجربته الشعرية المهمة تكفي تماماً للكشف عن شاعر كبير جداً. لذا تحدث عن بعض المحطات الحياتية منذ الطفولة والشباب في أيامه الأخيرة ومرضه الذي لم يعطل نشاطه في الكتابة واستكمال بعض الوحدات من سيرته الذاتية
“ذكريات تراني” سيرة ذاتية ترجمة طلال فيصل تقديم: بروبن فلتون. معروف لمن اطّلع على تجربته الشعرية، بأنه مهووس بالنص والعناية بكتابته، وهذا ما كشف عنه أحد نصوصه المبكرة التي اختزلت رؤيته الشعرية وصاغت تصوراته عن الشعر وكيفية نمو النص ببطء شديد. لذا نشر نصاً مبكراً قبل أربعين عاماً اسمه (طيور صباحية) لخص فيه فكرته عن القصيدة وهي تكبر وتتشكل، في الوقت الذي ينكمش فيه الشاعر ويتضاءل، يقول ترانسترومر:
إنها تنمو، تحتل مكاني
تدفعني جانباً 
تقذف بي خارج العش
القصيدة الآن جاهزة!
وقتها لم يبدُ واضحاً كم كان دقيقاً في تلك السطور، وهو يصف ما سيكون عليه مشواره الشعري بعد ذلك من جهة، لدينا ذلك الرجل الذي ولد في استكهولم العام 1931/ ذكريات تراني/ توماس ترنسترومر/ ت: طلال فيصل.
أشار الناقد روبن فلتون إلى أن قصيدة ترانسترومر أضاءت مركزاً فنياً في تجربة الشاعر المفتونة بالليل والنهار، قدمت توصيفاً واضحاً للنوم / الحلم / الاستيقاظ، ومثلما قال فلتون: تقدم عادة لحالة صعود السطح ولكن على العكس، كأنها حالة، ذلك لافتتانه بالحدوديين عالم الحياة اليومية الذي نعرفه جيداً وعالم آخر لا نعرفه تمام المعرفة، إلّا أن وجوها لا يمكن انكارها / ذلك الافتتان سيصير سمة مميزة لعالم ترنسترومر الشعري بعد ذلك / م.ن ص7وركزت سيرة الشاعر على الموقف الديني الذي انغمر فيه بقوة في بداية تجربته، لكنه تقوض بقوة لاحقاً.
تميزت تجربته المبكرة بما يشبه التجريد وهو يكتب نصوصه المركزة ذات الصوت الهادئ، المشبع بالمجاز والرمز كما قلنا، لذا قال الذي كتب السيرة إن كتابته كانت بمثابة محاولة لكتابة الموسيقى فضلاً عن كونها نوعاً من الجدل مع قصائده الأولى وتصوره المبكر للشعر حين كان يرى استكهولم، وكأنها محمية طبيعية أو واحة حالمة بينما في هذا الديوان بدأ يرى الأخطار المحدقة بالحياة هناك التي تهدد وجودهم
 بالمكان. / م.ن / ص15كشفت السيرة ولع ترانسترومر بالموسيقى مثلما هو مهووس بالشعر، وقال روبن فلتون بأن ديوانه الأول، المتضمن سبع عشرة قصيدة، قد كتبت على طريقة الوحدات التي تبدو منفصلة واحدة عن الأخرى، لكنها بالمحصلة النهائية صاغت هذه الوحدات قصيدة واحدة، وبشكل مواز للقالب الموسيقي المعروف بالـ “باسكاليا” كذلك كان ديوانه “أسرار على الطريق” صدى شعريا للمقطوعة الموسيقية “المزاحات الأربعة” وقال عنها ترانسترومر: إن كتابته بمثابة  محاولة لكتابة موسيقى، فضلاً عن كونها نوعاً من الجدل مع قصائده الأولى وتصوره المبكر للشعر / م.ن/ ص15
 
حياة مؤقتة في طنطا
  ذهب مع زوجته التي كانت في التاسعة عشر من العمر، وعرفت لأول مرة قسوة المكان وصعوبة التعايش معه. ولقد تعرف الأستاذ طلال فيصل المتحاور مع ترانسترومر والمستعين بزوجة الشاعر إذا تعذر عليه معرفة ما قاله له بسبب أصابته بالجلطة. وأبدى استغرابه عن حوار متكتم عليه، حوار عينيهما معاً. وعاد الشاعر بزيارته للمدينة المصرية “طنطا” في تكوناتها الأولى، حيث كان الناس كما قال “ترنسترومر” تعساء وفقراء في زيارتي لها العام 1959 وتوصل طلال فيصل وهو يترجم “ذكريات تراني” بأنه أفضل ما كتبه الشاعر في حياته، كاشفاً أهم المحطات فيها، وخصوصاً علاقته مع المكان الذي تعايش فيه، مثل المدارس والمتاحف المفتون بها وقالت زوجته: إنه إنسان استثنائي، قادر على قول ما لم يرد قوله ليعبر بدقة عن لحظته التي يعيشها. واعترفت بأن حياتها مع شاعر جيد شيء مثير للفخر. وتحدث الشاعر ترانسترومر بحزن عن الحرب التي وقعت في ربيع 1940 عندما كان في التاسعة من العمر “صبياً” منحنياً على الجريدة اليومية منكباً على خريطة الحرب، حيث العلامات السوداء، تشير لتقدم وحدات الجيش الألماني. كانت العلامات تخترق فرنسا، كنت اعتبر نفسي ولداً من أعداء هتلر. واتضحت الحرب أكثر، في اللحظة التي شعر فيها غياب والده لوقت طويل بحيث لم يلتق به إلّا نادراً. الحرب تفكك العائلة وتدمرها، تزرع الأحزان في مكان وعلى وجوه النسوة والأطفال. الإشارة مرة أخرى لعلاقة الشاعر بالموسيقى أفضل نهاية لهذا الموجز عن سيرة ترنسترومر  “ذكريات تراني” : أستخدم الموسيقى لطرد الأرواح الشريرة وكانت تلك الفترة هي التي بدأت فيها تعلم الدق على البيانو في حماس.