لقطات {روب - غرييه» في البصرة

ثقافة 2018/12/07
...

صفاء ذياب/ البصرة
احتفى التجمع الثقافي العراقي بالتعاون مع قصر الثقافة والفنون في مدينة البصرة بصدور الترجمة العربية الكاملة لمجموعة (لقطات) للكاتب والسينمائي الفرنسي آلان روب-غرييه، بحضور مترجم المجموعة الدكتور حسن سرحان.
المجموعة التي صدرت في العام 1962 والتي أثارت حينها ضجة من التساؤلات لأسلوبها ولغتها وطبيعة نصوصها القصصية المختلفة، لم تقدّم للعربية بالشكل اللائق لها، وكان إقدام المترجم الدكتور حسن سرحان على ترجمتها بناء على طلب شخصي من روب-غرييه نفسه قبل رحيله بمدة قصيرة، فسرحان الذي أنجز الماجستير في فرنسا عن هذا الكاتب، والدكتوراه في جامعة السوربون عن روب-غرييه أيضاً، كانت تربطه به علاقة وثيقة، خصوصاً بعد تعرّفه عليه في مرحلة الدكتوراه، وكان موضوعها يدور حول أدب هذا الكاتب المتفرد الذي شكّل مع عدد من الكتاب الفرنسيين تيار الرواية الجديدة، من أمثال كلود سيمون وناتالي ساروت وغيرهما.
 
مسارات اسلوبية متباينة
واشار حسن في حديثه عن إشكاليَّات ترجمة روب-غرييه بأن لغته صعبة وغير سلسلة، ولا يقدم أي مترجم على ترجمتها لما فيها من تراكيب وبنى لغوية لا تعطي نفسها بسهولة. ففي هذه المجموعة، تجتمع "عدة تقنيات وتتقاطع مسارات أسلوبية متباينة لا تنسجم مع نفسها جمالياً إلا من حيث انتمائها لفن القصة التجريبية التي يكتبها مؤلف مشاكس يركب رأسه شيطانُ التجريب وتتقمصه روح أدبية عبقرية مهووسة بتفضيل الإدراك الحسي والوصف والخيال والفنتازيا على الواقعية التقليدية والحبكة والإثارة والتشويق. تؤطر قصصَ هذه المجموعة رؤيةٌ فنية اعتمدت، في نسقها العام، بنية سردية غاية في الدقة محورها الأساس إبراز حضور الأشياء والتأكيد على وجودها المستقل إزاء باقي مكونات عالم السرد.
 بطبيعة الحال، الأشياء حاضرة في الرواية والقصة منذ القدم، لكنها كانت دائما تابعة في وجودها للشخصية وتستمد منها مبرر حضورها داخل جو الحكاية. أعني أن الاشياء لا تُستدعى لذاتها وليست مهمة بنفسها، بل لأن الشخصية تحتاج إليها لتستكمل عناصر الايهام بواقعيتها وتعزز الانطباع بتماثلها مع عالم القارئ الخارجي. لم يكن "الشيء" في رواية وقصة القرن التاسع عشر الواقعية غير ديكور ثانوي يؤدي وظيفة محددة مسبقاً ينحصر بها سببُ استخدامه وتتقيد بها طبيعة دوره. 
لا تحظى الأشياء بالاهتمام والعناية في السرد الكلاسيكي إلا ساعةَ يريد الروائي أو القاص رسم المكان الذي تتواجد فيه الشخصية وتزويد القارئ بفكرة عن مستواها الاجتماعي والكشف عن ميولها النفسية والذوقية عن طريق ما تملك وما تحب أو تكره من أشياء. أكيداً، ليس روب-غرييه أول من جذب الانتباه إلى حضور الأشياء المستقل في القصة أو الرواية فقد سبقه إلى ذلك عديدون منهم جان بول سارتر وفرنسيس بونج إضافة الى السورياليين طبعاً".
 
المحو والتناظر
وفي حديثه عن المجموعة، بيّن الدكتور عادل عبد الجبار آليات المحو والتناظر التي تسود قصصها، ابتداءً من العنوان الذي وضعه مصمم الغلاف؛ صدام الجميلي، بشكل مقلوب، ليحاكي صيغ التناظر التي تميّزت بها هذه المجموعة، ومن ثم فإن هذه الصيغ بالإضافة إلى التشابهات والإزاحة هي التي تسود المجموعة، خصوصاً في نص (البديل)، وتؤدي لغة الانفتاح على البنى المجاورة للفنون دورها في عالم روب-غرييه، فالتناظر يستند إلى بروز مقاطع التوليف والمونتاج بلقطات شبيهة بالسيناريو المرسوم سينمائياً بين الداخل 
والخارج.
أما في قصص المجموعة الأخرى، مثل (الغرفة المعتمة) يشير الدكتور عبد الجبار إلى أن روب-غرييه كعادته في التجريب وإيضاح الأشياء دخولاً في العتمة، فهو يلعب على الدلالة المضمرة ليقلب دلالاتها في النص، لتصبح القاتلة مقتولة في عرفه الأدبي، فالنقض والهدم يسودان عالم النص، وهو مشهد طويل لألوان التعذيب الجنسي في عرف أحد نقاده، كما يمكن للقراءة أن تنشط ذلك، إذ حول روب-غرييه اللوحة الجامدة إلى حركة وصفية مع مراعاة مظاهر العذابات والسادية كونها الأظهر عبر آلية التحويل والتنافذ.
في حين تحدّثت ورقة الدكتور لؤي حمزة عباس عن تأثير الأدب الفرنسي وتيار الرواية الجديدة في الأدب العراقي والعربي، موضحاً أن أعمال الستينيين، عراقيين وعرباً، أولت الشكل السردي أهمية متقدّمة، مثل محمد خضير في المملكة السوداء، وإبراهيم أصلان على الرغم من اهتمامه بأسلوب جيل الجليد الذي عرف به همنغواي، وصنع الله إبراهيم، وأعمال إلياس خوري الروائية المبكرة.. ونجد هذا التأثر في الجيل الأحدث، مثل سعد هادي في مجموعته (طبيعة صامتة) وروايته (الأسلاف).. هذا التأثر بحسب رؤية عباس، كان بسبب الطبيعة المغايرة لكتابات آلان روب-غرييه التي دشّنت مفاهيم جديدة في رؤيتها للشخصية وللمكان وطبيعة تناول النص السردي لهما، فضلاً عن تنوّع اهتماماته بين القصة والرواية والسيرة والكتابة السيناريو السينمائي وفنون أخرى مجاوره.