أسطــورة الاشتراكيــة العربـيـة

ثقافة 2020/02/17
...

متابعات خبرية 
عن مركز دراسات الوحدة العربية صدر مؤخرا كتاب ( تفكيك الأشتراكية العربية) للكاتب علي قادري وهو باحث في جامعة سنغافورة الوطنية , واستاذ قسم التنمية الدولية في كلية لندن للأقتصاد ، ومن مؤلفاته (تحديات التنمية و حلولها بعد الربيع العربي) و(التنمية العربية الممنوعة) وكتاب (الحزام الواقي.. قانون واحد يحكم التنمية في شرق آسيا و العالم
 العربي.).
كتاب (تفكيك الأشتراكية العربية) يؤرخ  لموجات الفكر و الحركات الاشتراكية التي عمت العالم العربي منذ انتصار الثورة البلشفية في الاتحاد السوفييتي   التي انطلقت تقدم بديلا عن الرأسمالية و تناقضاتها الإجتماعية التي نشرت الاستغلال و الاستلاب والفقر و النهب داخل المجتمعات. القادري يدرس التجربة الاشتراكية العربية و ظروف نشأتها و أسباب تفككها، محللاً البنية الطبقية لتلك التجارب وأبرز التطورات التي عرفتها هذه البنية والتي أسهمت في تحويل
 هذه التجارب عكسيا باتجاه الخيارات النيوليبرالية في كل من سورية ومصر والعراق، وعلى نحو مقتضب في اليمن وليبيا.وعلى الرغم ماحققت الأشتراكية العربية الكثير من الانجازات , سواء على مستوى التنمية الاجتماعية و تحسين المعيشة و التعليم وتطوير القطاعات الإنتاجية  و متوسط الدخل و اعادة التوزيع العادل للثروة
 الوطنية .
 
سياسة الاخفاق
هذه التجربة عرفت الكثير من الاخفاقات وما لبثت أن أخذت تتفكك منذ سبعينيات القرن الماضي ،يستهل المؤلف كتابه بمقدمة وافية تلخص قتامة الواقع العربي، من اختلال واضح في توزيع الثروة والمداخيل، داخل القطر الواحد. يورد القادري في ملحق الفصل الأول من كتابه  أرقاما مختارة على سبيل المقارنة بين المرحلتين الأساسيتين في التاريخ العربي الحديث، مرحلة الاشتراكية العربية (1960 - 1979)، ومرحلة الليبرالية الانفتاحية (1980 - 2011) وتحديدا في الدول التي طبقت تلك الاشتراكية بالطبع، خصوصاً مصر وسوريا والعراق، التي خصص لكل منها فصلا
 مستقلا . 
ونجد في هذه الارقام اتجاها واحدا بعنوان واحد نفهمه ضمنا عبر الفترتين، هو (التراجع الكبير) اذ تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في سوريا والعراق ومصر، ومعه تراجع معدل نمو حصة الفرد من ذلك الناتج في البلدان الثلاثة وفي خلفية المعدلين تراجع لمعدل نمو إنتاجية العامل بينما زادت متوسطات معدلات التضخم من نحو 5 % للدول الثلاثة إلى 13 % في مصر و 26 % في العراق و 15 % في سوريا، وارتفعت معدلات البطالة بما يظهر تفاوتا هائلا في المؤشرات الأساسية كافة لصالح فترة الاشتراكية العربية في الأداء الاقتصادي الكلي، خلافا للاساطير الشائعة في الإعلام الرسمي
 الحكومي.
نقص المدلول النقدي 
في الكتاب لم يطرح (علي القادري) نظرية في التخلف، والتي تمثل المدخل الضروري لأي طرح في تفكيك طبيعة الاشتراكية العربية  وهو ما كان يمكن أن يمثل مدخلا لفهم أسباب اتجاه النخب العسكرية الحاكمة بعد ثورات الاستقلال الوطني إلى تلك السياسات  خصوصا من حيث انها  سياسات فرضت نفسها في ظل عجز الرأسماليات المحلية عن انجاز المهمة الهيكلية الأولى لتجاوز التخلف، وهي التصنيع في إطار من استقلال السوق المحلية، وكيف كانت الاشتراكية العربية هي الغلاف النظري والدعائي لهذه الضرورة، الذي يتضح من خلال شعار حتمية الحل الاشتراكي في العالم العربي  ، ولعل هذا ما يفسر فوقية تلك (الاشتراكية في العالم العربي  التي أتت بلا اشتراكيين ولا تنظيمات
 شعبية، وهو التوجه الذي دعمه بلاشك فشل السوفييت في انجاز ذات الهدف كونها كانت في الحقيقة (التجربة النموذج) للتنمية المستقلة المعجلة في إطار استقلال وطني محاصر لدول متخلفة صناعيا.