انحدار هيبة الامبراطورية أو الفرصة الثانية

ثقافة 2020/02/17
...

كتاب (الفرصة الثانية: ثلاثة رؤساء أميركيين وأزمة القوة الأميركية العظمى) هو احد  الاعمال لـ زبيجنيو بريجنسكي، المتخصص في العلوم السياسية والستراتيجية عمل مستشارا للأمن القومي للرئيس الأميركي جيمي كارتر في الفترة ما بين 1977 و1981، وله العديد من المؤلفات في الامن الدولي  والسياسة الخارجية، خلفياته الأكاديمية والعملية عالية المستوى وعلاقاته غير محددة ويعد  بريجنسكي مؤهلا لتقييم الإدارات الأميركية السابقة والذي يستشرف لها أيضا (فرصة ثانية) لإعادة الهيمنة على العالم مستقبلا.

ويهدف بريجنسكي في هذا الكتاب إلى توضيح المعوقات كافة أمام الولايات المتحدة.  ينتقد في هذا الكتاب بشدة الادارات الاميركية المتتالية بعد عام 1990 ( ادارة بوش الأب، وبعد ذلك إدارة كلينتون ثم إدارة جورج بوش الابن) لان جميعها حسب رأيه لم تتمكن من لعب الدورالتاريخي الذي كان يجب على الولايات المتحدة أن تلعبه عندما أصبحت القوة الكونية رقم واحد في
 العالم.
 
الدولة العظمى
ويبدأ الكتاب بتسليط الضوء على صورة الولايات المتحدة التي خرجت من الحرب الباردة منتصرة وصاحبة الهيمنة العظمى بدرجة غير مسبوقة على الساحة الدولية، ولكن بريجنسكي يؤكد أن الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الولايات المتحدة منذ ذلك التاريخ أهدروا جزءا كبيرا من قوة أميركا وهيبتها وخص بالمسؤولية الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. ويشير بريجنسكي إلى أن انهيار الاتحاد السوفييتي لم يكن نتاج عمل شخص واحد وهو الرئيس رونالد ريجان، ولكنه جاء نتيجة تعاقب 40 عاما من الجهود المشتركة بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري. 
بدءا من عهد الرئيس هاري ترومان والذي ساعده ليخ فاليسا الذي حارب الشيوعية لعقود من الزمان، وأجبر الاتحاد السوفييتي على اتخاذ تنازلات أدت إلى إنهاء الاحتكار الشيوعي للسلطة وعجل من اندلاع الانتفاضات الشعبية في كل من تشيكوسلوفاكيا والمجر، كما خص بالذكر بابا الفاتيكان الأسبق يوحنا بولس الثاني الذي وصفه بأنه أنعش الروح الشعبية للوقوف ضد الشيوعية، ولم يغفل دور آخر رئيس سوفييتي وهو ميخائيل غورباتشوف. وطبقا لتقييم بريجنسكي فإن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب بذل مجهودا جيدا بالمجمل، وكانت من أهم انجازاته هو التعامل الإيجابي مع غورباتشوف ومن ثم انهيار الاتحاد السوفييتي، استطاع بعد ذلك أن يشكل تحالفا دوليا قويا وكبيرا لمواجهة صدام حسين. أما خلفه الرئيس بيل كلينتون فيقول بريجنسكي أنه أدى مجهودا طيبا للمساعدة في استعادة روسيا للرؤوس النووية التي كانت ملكا للاتحاد السوفييتي السابق ومنع من انتشارها، ولكنه يلومه بسبب عدم حزمه في مواجهة الجهود الكورية الشمالية لبناء القنبلة النووية، كما أنه فشل في النهاية في منع باكستان أيضا من الحصول على السلاح النووي، بالرغم من تجاهل بريجنسكي ان حيازة الهند للأسلحة النووية وضعت ضغوطا سياسية هائلة على باكستان. 
ويقول بريجنسكي أن من إيجابيات إدارة كلينتون ايضا انه حقق فائضا كبيرا للحكومة الأميركية ما عزز من وضع أميركا كقوة عظمى في
 العالم.
 
اهتزاز سمعتها الدولية 
ويرى بريجنسكي ان صورة أميركا الأخلاقية اهتزت حول العالم نتيجة احداث أبو غريب وغوانتانامو ، كما سمحت الولايات المتحدة في عهد جورج بوش الابن بتصاعد قوة روسيا والصين، فالأولى تتمتع باحتياطي نفطي كبير، والثانية استطاعت غزو العالم بصناعاتها وبضائعها، وأدى عدم الحذر الأميركي تجاه الصين وروسيا إلى أنهما أصبحا أكثر قوة وتدخلا في العالم. وأشار بريجنسكي إلى سوء تصرف الإدارة الاميركية  وبخاصة أثناء زيارة الرئيس الصيني (هو) إلى العاصمة الأميركية واشنطن، فلم يكن هناك عشاء رئاسيا وسمحت الشرطة الأميركية للمتظاهرين بالصياح طوال الليل خارج فندق بلير هاوس الذي كان يقيم فيه الضيف الصيني. 
كما تم عزف السلام الوطني التايواني بدلا من الصيني في مراسم الاستقبال بطريق الخطأ، فضلا عن ذلك  دعمت أميركا جهود الهند  جارة الصين  في حيازة السلاح النووي، وقال أن كلها أخطاء دبلوماسية وسياسية من الإدارة الاميركية. كما أورد بريجنسكي عدة أمثلة أخرى تدل على تدهور سمعة أميركا في العالم، منها رفض مثول المواطنين الأميركيين أمام محكمة العدل الدولية المتعلقة بجرائم الحرب، إضافة إلى الموقف الأميركي من اتفاقية كيوتو المناخية، وكلها أشياء أدت إلى فقدان أميركا لاحترامها أمام
 العالم. 
ويستنتج بريجنسكي بعد عرضه لسلسلة من التفاصيل حول هذه الفترة العصيبة ان ضعف بوش الأب يأتي في نهاية الامر ليس ما فعله ولكن ما لم يفعله إذ انه لم يتمكن من ان يلعب دور (القائد الكوني) وان يضع ستراتيجية ورؤية مستقبلية للسياسة الاميركية. فالمطلوب في هذه المرحلة حسب بريجنسكي كان ضرورة تطوير هندسة جديدة للنظام العالمي، مثل التي طورت بعد الحرب العالمية الثانية وتطوير ستراتيجية لائقة بالنظام العالمي
 الجديد. 
 
الجوهر التاريخي 
ولخص بريجنسكي الجوهر التاريخي الخاص بكل واحد من الرؤساء الثلاثة بالقول: كان بوش الأول الشرطي الذي يعتمد على القوة والشرعية للمحافظة على الاستقرار التقليدي، وكان كلينتون داعية الرفاه الاجتماعي الذي يعتمد على العولمة لإحداث التقدم، وكان بوش الثاني شرطيا أهليا يعبئ المخاوف الداخلية لمتابعة كفاح وجودي أعلن عنه بذاته ضد قوى الشر. وتختزل عناوين الفصول، المخصصة للرؤساء الثلاثة، جوهر الملامة التي يلقيها بريجنسكي على عاتق كل منهم: جورج هـ. بوش ـ الخطيئة الأصلية (وشِراك المخيلة التقليدية) بيل كلينتون ـ عجز النوايا الطيبة (وثمن التورط الذاتي) و جورج بوش ـ القيادة الكارثية (وسياسة
 الفزع).