مَنْ يخططُ لإدارة الثقافة في البلاد ؟

ثقافة 2018/12/07
...

 استطلاع: صلاح حسن السيلاوي
 
 أعرق مجتمع على الأرض وأولها سعياً للكتابة والإبداع بكل تنوعه ما زال يفتقر حتى الان لخطط واضحة تسهم بإدارة الثقافة والتعامل مع أهلها بما يتناسب مع عمقها وأهميتها . من المسؤول عن وضع الخطط لإدارة الثقافة في البلاد؟ ما دور الدولة ووزارة الثقافة في ذلك ؟ ماذا قدمت الجامعات العراقية بهذا الصدد؟ ما دور اتحاد ادباء العراق ونقابة الفنانين والمؤسسات المعنية الأخرى ؟. 
الثقافة والسلطة
جهات ثلاث الشاعر عادل الفتلاوي يرى أن مسؤولية النهوض بالواقع الثقافي أو ترديه تقع على عاتقها، وهي وزارة الثقافة واتحاد الأدباء والمثقف ذاتهُ، والأخير عليه المسؤولية الكبرى إذ أنه الرابط المباشر ما بين الجمهور والسلطة العليا، وكلّ ذلك يجري الإرتقاء به من خلال وضع خطط مدروسة لقيادة دفة الثقافة. 
وأضاف : لا يجب ان تعمل وزارة الثقافة كباقي الوزارات، فلم نسمع بلجنة استشارية من شعراء وأدباء تحدد ستراتيجيات دعم المهرجانات الأدبية وجدوها، أو أن تكون هذه اللجنة صلة الوصل بين الاتحاد وفروعه. أما الاتحادات والنقابات والمؤسسات المعنية تفتقر إلى آلية حقيقية في دراسة المشاريع الأدبية واكتشاف المواهب، فهناك وفرة بالمهرجانات دون تخطيط مسبق ودون أصوات أدبية وشعرية وفنيّة جديدة من الشباب ، وهناك تكرار للوجوه الذي أصبح متجذراً في تلك المؤسسات، فبغياب المنهجية والدراسة في تلك المفاصل من الطبيعي أن نجد تردياً بنسب معينة هنا وهناك.
 
تنمية الذائقة
 مسؤولية المجتمع الباحث حسن عبيد عيسى أشار إلى أن الثقافة مسؤولية المجتمع عموما، شعبا وحكومةً. فالعائلة لا بد لها ان تنمّي ثقافة الناشئة، ثم تأتي مسؤولية المدرسة..وبعد ذلك ينهض الناشئ وقد صار شابا باعباء تثقيف نفسه. وأضاف عيسى بقوله : هنالك قول لارسطو لا يمكن ان ينظر له على انه حبيس عصره الغابر، فهو يلائم كل العصور والازمنة،فلقد قال(أنا أهتم بأثنين: واضع القوانين ومؤلف الاغاني) فعلى هؤلاء تقوم أمور كثيرة تهدف الى طبيعة توجيه المجتمع والارتقاء به وتنقية ذائقته. فنحن بلد لم يتهاون في زرع الثقافة في نفوس ابنائه،وسوف لن نتكلم عن العصور التي ماتت حضاراتها وانما عن تاريخنا المعاصر..فلقد كانت الثقافة ضمن اهتمامات الدولة العراقية منذ نشوء الحكم الوطني في مطلع عشرينيات القرن المنصرم، إذ كانت الاهتمامات حثيثة في مجال تأسيس كيان ثقافي راقي ومن ذلك انشاء المتحف العراقي وتأسيس المجمع العلمي وتأسيس نظام الدعم الجامعي والمؤسساتي الحكومي لنشر النتاج الفكري ناهيك عن التوسع الملموس في تأسيس المكتبات العامة ودعم الكتاب بكل الاوجه. لا بل كانت وعلى مدى اجيال، وزارة الثقافة مهنية لا يرتقي كرسيها الأعلى الا مثقفون مرموقون يفهمون معنى الثقافة، ولعل في مقدمة من يحضرنا منهم الراحل فيصل السامر والراحل عبد الله سلوم السامرائي وسواهما ممن يفهمون معاني الثقافة ومعاضلها وطرق معالجة تلك المعاضل حتى صار سعر الكتاب أقل بكثير من سعر علبة السكائر..وكان الجميع يستمتعون بمشاهدة ارقى الافلام العالمية بينما كان المسرح العراقي ذا خصوصية متميزة بين المسارح العربية الجادة والمفيدة.
وعبرت الاغنية العراقية حدود الوطن. وقال أيضا : من هنا يتبين ان الدولة التي تعد القوانين والتي تشكل نصف اهتمام ارسطو، وتشجع بناة الذوق مما اسماهم بمؤلفي الاغاني هي الفاعل الاهم في مجال صناعة الثقافة والموجه الرئيس لها ، فماذا نجد الان؟ نجد ان الدولة تأتي مرةً بوزير يسمي وزارة الثقافة بالوزارة التافهة، ومرة أخرى بآخر يراها لا تسمن ولا تغني عن جوع، أو من ينصرف عنها ليدير وزارة الدفاع.. وعندما استبشرنا خيرا مع تشكيل الوزارة الحالية وجدنا من يرشح شخصا لا علاقة له بالثقافة ولا يفهم طبيعتها ولا معاضلها..فكيف سيقود.؟ هناك جهاز على الثقافة في هذا العهد ولعل الحماسة الرسمية لالغاء مكتبات بغداد وتحويلها الى مولات وهو ما ادمى قلوب المثقفين لا يضاهيه الا صدور قانون منع تصدير الكتاب العراقي وقانون فرض الضريبة الجائرة على تجارة الكتب. 
صوت المثقف
جحيم التابوات الشاعر حيدر الحجاج قال: بعد ان غرقت البلاد في جحيم التابوات التي اعلنت سيادتها التبشيرية تحت يافطة الرثاثة والخراب وعزل كل المؤسسات الثقافية الفاعلة عن الامساك بدفة القرار واعادة الحياة الثقافية الى اوج عطائها الثر بعد ان كانت متخمة بفيض من الابداعات في شتى
 المجالات.
 لذا علينا كنخب ثقافية الوقوف جنبا الى جنب لاعلاء صوت المثقف العراقي بعيداً عن المحاصصة الطائفية وتكتلات الاحزاب التي فرضت بظلالها على المشهد السياسي برمته. 
وتلك ظاهرة غير مسبوقة في الثقافة العراقية كما ان المشهد الإبداعي بحاجة الى انعاش يعيد للثقافة العراقية اوجها بعد تصدرها للمشهد العربي في فترات زمنية متعددة، وتراجعها ابان مايسمى بالتغيير . نحن بحاجة الى تسونامي شامل وطرد الرثاثات المخزية لاعادة الحياة الثقافية الى
 هيبتها.