النضجُ الديمقراطي

آراء 2018/12/07
...

إياد مهدي عباس 
 
عندما نتابع خلافات القوى السياسية في العراق في قضية تشكيل الكابينة الوزاريَّة واختيار ما تبقى من وزراء، نجد بأننا ما زلنا أمام مطالب باستقدام وزراء مستقلين تكنوقراط ليتحمل رئيس الوزراء مسؤولية نجاحهم أو فشلهم، وفي المقابل هناك مطالب أخرى من بعض القوى السياسيَّة بتوزيع المناصب وفق مفهوم المحاصصة الحزبيَّة والقوميَّة، ويرى البعض أنَّ هناك تطوراً إيجابياً بعض الشيء في قضية الابتعاد عن المحاصصة الحزبيَّة والقوميَّة في تشكيل حكومة السيد عادل عبد المهدي، إلا أنها ليست بمستوى الطموح ولا تتناسب مع الفترة الزمنية الطويلة التي مرَّت على انطلاق التجربة العراقيَّة والتي كان من المفترض أنْ تكون القوى السياسيَّة قد وصلت من خلالها الى مرحلة النضج الديمقراطي الذي يؤهلها للابتعاد عن مفاهيم دخيلة على الديمقراطية كالتوافقيَّة والمحاصصة والشراكة والتي كانت وما زالت تقف عائقاً أمام مشروع الإصلاح السياسي
 والاقتصادي.
وإنَّ من أهم اشتراطات نجاح مشروع الإصلاح الذي طالبت به الجماهير والمرجعيَّة الدينيَّة هو وجود إرادة حقيقيَّة ليس لدى رئيس الوزراء فحسب، بل لا بدَّ من توفرها لدى القوى والأحزاب السياسيَّة التي كانت جزءاً من المشكلة طيلة سنوات طويلة من خلال تمسكها بمفاهيم المحاصصة والتوافقيَّة والتوازن وتوزيع المكاسب بين الشخصيات والأحزاب كمغانم سلطويَّة تحولت في ما بعد لمكاسب شخصيَّة لبعض الانتهازيين الذين استغلوا تلك المناصب لتحقيق منافع شخصية وحزبية على حساب تقديم الخدمات وعلى حساب مشروع بناء الدولة العراقية.
ومن الأهمية بمكان أنْ نقول هنا إنَّ الإصلاح الحقيقي يجب أنْ ينطلق من وضع الحلول الواقعيَّة لمعالجة الظواهر السلبيَّة التي رافقت العمليَّة السياسيَّة وأهم هذه الظواهر السلبية الحرص على مصالح الحزب وفق نظرة حزبية ضيقة على حساب مصلحة الوطن والمواطن والتي أسهمت في إيجاد حيتان كبيرة تسرق المال العام وتحّول الوزارات التي تحت سيطرتها الى مشاريع استثمارية لصالحها بحماية أحزابها التي تغض الطرف عن سرقات الآخرين مقابل غض الطرف عن سلبيات
 أعضائها. 
وبالتالي فنحن في أمس الحاجة لمعالجة تداعيات المحاصصة الحزبية من خلال إقرار قانون الأحزاب الذي لم يرَ النور منذ سنوات وهو يغفو في أدراج مجلس النواب وإنَّ القوى السياسية والأحزاب العراقية ما زالت تعمل لغاية اليوم من دون قانون يحكمها ويحاسبها بشأن مصادر تمويلها وينظم عملها ونظامها الداخلي. ولذلك نجد أنًّ من أهم المعوقات التي ستقف في طريق هذه الإصلاحات هو تمسك الأحزاب والقوى السياسية بحقها في السلطة وفق
 مبدأ المحاصصة.
ولا بدَّ من الإشارة هنا الى أنَّ الإصلاح لا يعني إقالة مسؤول أو محاسبة وزير، بل لا بدَّ من إصلاح النظام السياسي وطريقة توزيع المناصب والوزارات ومراعاة شروط الكفاءة والنزاهة والأهلية في تعيين الوزراء. كما تأتي الحاجة اليوم لضرورة تعزيز استقلالية القضاء وتفعيل عمله في مكافحة الفساد وترويج الملفات الغافية في أدراج الهيئات الرقابيَّة والقضائيَّة لأسباب حزبيَّة.