كثيرة هي هموم الواقع التربوي في العراق وأبرز هذه الهموم هي بنايات المدارس التي بدأت تتهاوى واحدة تلو الأخرى، وهذا يعني أنَّ أعداد بنايات مدارس العراق يتناقص عاماً بعد آخر والتقارير التخطيطيَّة تقول إننا بحاجة لستة آلاف مدرسة في عموم العراق لكي نتجاوز أزمة النقص الحاد في البنايات، والواقع يؤكد أننا نخسر الآن مئة مدرسة مع كل شتاء يداهمنا بأمطاره الغزيرة، المطر الأخير كشف لنا اننا لا نحتاج لأنْ نستورد نظريات تربويَّة ناجحة من ألمانيا والسويد ونحاول تطبيقها في بيئة مدرسية كالتي موجودة لدينا.
خاصة واننا في كل موسم شتاء يحيل المطر مجموعة من مدارسنا على التقاعد لبلوغها السن القانونية خاصة أن الكثير من مدارس العراق بُنيت في العهد الملكي والجمهورية الأولى أيام الزعيم عبد الكريم قاسم وباتت خارج الخدمة لأسباب كثيرة أهمها انخفاضها عن مستوى الشارع العام وهذا يؤدي لتجميع مياه الأمطار وصعوبة تسريبها، وعدم إدامتها سنوياً كما يفترض، لا سيما سطوحها والكثير من التصدعات في جدرانها.
وأيضاً هناك سبب آخر ربما البعض يحاول تجاهله ويتمثل بأنَّ وزارة التربية لم تهتم ببنايات المدارس التي تعدُّ الركن المهم في نجاح العمليَّة التربويَّة بقدر اهتمامهم باستحداث مسميات جديدة (مدارس صديقة للطفل) وأخرى ( صديقة للبيئة) و(الجودة الشاملة) وعناوين أخرى كثيرة صرفت عليها ملايين الدنانير إن لم تكن مليارات كانت كافية لأنْ تنتشل الكثير من المدارس من الحالة التي هي فيها، كنت أتمنى أنْ تدرك الجهات المسؤولة وصاحبة القرار في وزارة التربية أنَّ كل نظريات التربية الحديثة لا يمكن لها أنْ تنجح وتكون منتجة ما لم تكن هنالك بناية مدرسية قادرة على أنْ تستوعب المتغيرات، ومؤهلة لأنْ تطبق بها هذه النظريات وتؤدي الغاية منها بدرجة كبيرة جداً.
نحن نقول للمسؤولين ليست لدينا مدارس صديقة للطفل ولا صديقة للبيئة وليست هنالك جودة في التعليم طالما إننا لا نمتلك بناية مدرسيَّة قادرة على أنْ تكون صالحة للدراسة في أدنى درجاتها، الكثير من مدارسنا غرقت، ومن لم تغرق تعرضت لتصدع، والصالحة منها باتت ثلاثية الدوام بسبب (نزوح) مدارس (غارقة) إليها وتقلصت الدروس بنسبة الثلث للكثير من المدارس.
هذا واقعنا الذي يجب أنْ يدركه الجميع وأنْ تكون من أولويات وزارة التربية ومجالس المحافظات صيانة المدارس والحفاظ عليها وعدم ترك الأمر بهذا الشكل وترك الأمر لأولياء الأمور الذين هم بالأساس يعانون من مشاكل ماديَّة لا تسمح لهم بتحمل نفقات صيانة مدارس أبنائهم في جميع المراحل.
نحن فقدنا عدداً من مدارسنا في (مطرة واحدة) وكل مدينة في العراق خسرت ما يكفي من المدارس وما زالت التقارير التي يكتبها مدراء المدارس لمرجعياتهم الإداريَّة تؤكد أننا نطبق معايير الجودة الشاملة حتى وإنْ كنا في كرفانات بدوام ثلاثي مع الآخرين يبدأ دوامنا بعد الساعة الثانية ظهراً وينتهي في الرابعة والنصف من دون التفكير بإيجاد حلول سريعة لأزماتنا المدرسيَّة.