الرئيس العاجز لبلد المليون شهيد

آراء 2018/12/07
...

حازم مبيضين
 
من يوغسلافيا تيتو، إلى إسبانيا فرانكو، وهو في سبيل الوصول إلى مبتغاه، بدأ سلسلة من إقصاء قادة عسكريين أحالهم إلى المحكمة العسكرية بتهمة الفساد، وحرض مؤيديه في البرلمان على إطاحة رئيسهم، لتكون الفرصة بين يدي حزب جبهة التحريرالحاكم، ليعلن أن الرئيس بوتفليقة سيكون مرشحه لانتخابات الرئاسة المقبلة، المقررة في ربيع العام القادم، باعتبار أنه ليس لدى الحزب خيار آخر، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها الحزب أن رئيس الجمهورية هو مرشحه للانتخابات، بعد أن كان يدعوه ويناشده سابقاً، دخول السباق من أجل الفوز 
بولاية خامسة.
وصل بوتفليقة البالغ من العمر 81 عاماً إلى سدة الحكم عام 1999 وفاز بأربع ولايات متتالية. 
وهو كما هو معروف و منذ العام 2013 يدير دفة الحكم، وهو مشلول على كرسي نقال، بعد إصابته بجلطة دماغية، وهو يقضي نصف وقته في فرنسا للعلاج، والنصف الآخر لشؤون الحكم، ولا يستطيع النطق بشكل صحيح، أو ربط جملتين ببعضهما، ويقال إنه قد لا يستطيع قراءة نص القسم الرئاسي في حال نجاحه. 
ونظراً لغرابة الموضوع ولا معقوليته فإنَّ الكثير من الجزائريين لايستطيعون تصديق رغبته في الترشح لولاية خامسة، لأنه أدرى من أي أحد
 بحالته الصحية.
طبعاً تفتق ذكاء بوتفليقة أو ما تبقى له منه، عن خطاب لم يتمكن بالطبع من تلاوته، فأوكل الأمر لأمين عام الرئاسة حبة العقبي، ليبعث برسائل مشفرة لخصومه، تضمنت أوصافاً وعبارات غير مسبوقة، "كالدوائر المتربصة، والخلايا الكامنة، والزج بالبلاد نحو المجهول، والنوايا الدنيئة" ضد من سماهم الجاحدين المناورين سياسياً، ومعروف انَّ رسائله السابقة لم تكن بهذه الحدة، ما يعني أنه استطاع أنْ يدرك أنَّ هناك معارضة شرسة لاستمراره في الحكم، أو أنَّ واحداً من الحاشية تولى تدبيج الخطاب المثقل بالعتاب والتحذير من مناورات سياسية تظهر مع اقتراب كل محطة حاسمة من مسيرة الشعب الجزائري، وبالتشكيك في قدرة الخصوم على قيادة البلاد، فهؤلاء من منظوره مغامرون ويسوقون لثقافة النسيان والنكران والجحود، لا يمكن أن يكونوا أبداً سواعد بناء وتشييد، فهم يخفون وراء ظهورهم معاول الهدم من أجل الزج بالبلاد نحو المجهول، وهذه كما هو واضح لغة هجومية مرعبة، لم يلجأ لمثلها كل من يعارض التجديد للرئيس العاجز، وهم بالمقابل رأوا أن الأوهام التي هاجمها تعني إثارة الرعب في نفوس الملايين، لتبرير الاستمرار في الحكم، وحملوه مسؤولية الجمود الذي تعيشه الساحة السياسية، فالرئيس الذي يقدم قائمة جرد عيوب سياسته الحصرية، دون رقابة شعبية أو قضائية، يقر دون الاعتراف بمسؤوليته بالجمود الحالي، وبلهجة لا تصب في اطمئنان لا الشعب ولا القادة. ورسالته هذه أنك يا شعب ناكر للجميل وجاحد بنعمة الأمن التي حققناها لك، فإذا أردت بديلاً عنا فستزول هذه النعمة وسيأكلك الخراب من بعدنا.
إذا افترضنا عدم التجديد لبوتفليقة، فمن سيتولى المنصب الرئاسي؟. ليس سراً أن هناك عدة شخصيات ترغب أو تعمل على خلافته، ومن أبرزهم العسكري المتمرس سياسياً قايد صالح، الذي قد يستعيد طموحه القديم، في ظل الدعوات الجديدة لإقحام الجيش في مسار انتقال ديمقراطي، وهناك بالطبع التكهنات التقليدية حول سعيد بوتفليقة، الذي دائماً يتطلعُ لنموذج راؤول كاسترو الذي خلف أخاه فيدل، أو على الأقل ترشيح أحد المقربين القابعين في الظل، فيما يتولى هو التأثير من الخلف كما كان في عهد شقيقه،
 وهناك سيناريو أقل احتمالاً حول توافق صالح وسعيد على دعم أحمد أويحيي، للوصول إلى الرئاسة وممارسة الحكم من الظل كما يفعلان الآن، ويظل المؤكد أنه بغض النظر عمن سيعتلي كرسي الرئاسة بعد بوتفليقة، فإنَّ دور قايد صالح سيكون مركزياً في ترتيب الرئيس القادم، وإن الجنرال الذي دافع عن طموحه في السلطة علناً قبل أكثر من عقدين، في طريقه لتحقيق حلمه بالحكم ولو من وراء الكواليس.