حين تشتد الأزمات وتعصف الأهواء وتختلط الأوراق نتلفت نحن أبناء المسرح نبحث في ما بيننا عن نوافذ للأمل والنجاة، وحين نفاجأ أنّ ما حولنا في أغلبه ملتبس ومضبّب، نعود بالذاكرة الى أيام مضت كنا فيها مع بعض متعاونين متحابين هدفنا العمل والإنجاز وجّل اهتماماتنا لعبة المسرح ومتنوعات البحث والابداع، يحيط
بنا مربّون فاضلون يعلّمون من دون منّة ويوجهون من دون أستذة ويباركون من دون زيف،
اليوم غاضت تلك المحبة وخبت لدى البعض جواهر الصدق التي تبث الجمال وتضيء الابداع وتنثر التجلي في روح المسرح، الحزازات والصدامات والانبطاحات لهذا وذاك بحثا عن المنافع والمناصب والامتيازات هي السائدة والمهيمنة
في التعامل والعمل.
اليوم 24 2 وفي ذكرى أول صعود لك على خشبة المسرح العراقي أتوقف لأستذكرك وأرثيك وأعلمك بمقدار الفراغ الذي غرقنا فيه وحجم التيه الذي ندور فيه، علّمتنا يا سيدي أنّ المسرح
محبة وألفة وانتماء وهو الوطن الذي نستطيع من خلال فضائه أن نضيء ونبني ونعمّر روح الإنسان الباني والمنجز في الوطن الحقيقي، معك حين كنا نعمل كنا نعرف أنّ ما سوف نقدمه له مساس حقيقي بحياة المجتمع ومستقبل البلد الذي
ننتمي اليه؛ لذا كان لزاما علينا أن نحسن الانتقاء ونحسن الانجاز ونعي وقع التلقي والتأثير، اليوم ما عادت المسارح بفضاءاتها قادرة على مواجهة الخراب الذي ينخر في أساساتها، فهناك من
سهّل البيع والشراء وأسهم في غلق الاستار
وإطفاء الأنوار، وهناك من نبتت له أنياب فكشّر
عنها في وجه صحبه والعاملين معه، وهناك من أراد أن يكون سيدا ومن حوله يدينون له بالولاء
المطلق!!.
أيّها المعلم يوسف العاني ومعك رفيق دربك الذي التحق مؤخرا بك الكبير سامي عبد الحميد
تاركين بغيابكما فراغا مهولا يصعب صده، أودّ أن أعلمكما أنّ حمل الرسالة من بعدكما صار صعبا والحفاظ على ديمومة العطاء النّير للمسرح العراقي في زحمة فوضى الصراعات وتغيّر
الألوان والانتماءات أضحى عصيا، لكننا نحن العصبة الصغيرة من أبناء المسرح الحي الثابتة على المبدأ والقيم ما زلنا لم ننزع جلدنا ولم
نفرط بأصواتنا ولم نبع ضمائرنا ما دمنا نتنفّس هواء العراق؛ لذا سنبقى نعمل من أجل المسرح الذي آمنّا به جميعا، مسرح عراقي متطور
الرؤى والمفاهيم يصنع مستقبلا متفائلا
وبهيّا للانسان الرائي، ويبث وعيا معرفيا
للانسان الكادح.
أيّها المعلّم يوسف العاني نحييك في ذكرى طالما أحببتها وفاخرت بها ذكرى أول صعود لك على صهوة مسرح حرون وحياتي روّضته بالفهم والحكمة والأمل ليكون مسرحا
طليعيا ورائدا.
سلامٌ عليك معلّمنا في مماتك الحي وتعاليمك النابضة بالأصالة والوعي ....