باءت محاولاتي كلها بالفشل، إذ لم أستطع أن أعثر على شيء ولو يسير عن ولادته وحياته ونشاطه المعرفي، ولم يُسعفنِ السيد «غوغل» وأشقاؤه وأدواته بشيء، رغم أنني حاولتُ أكثر من مرّة وفي أوقات عديدة فصلت بينها أشهر. لذلك لم تبق من حيلةٍ أمامي، إلا الرجوع إلى الدراسة ذاتها؛ أقصد بها كراسة «الحيل النفسية» التي كانت قد صدرت طبعتها الأولى بدمشق سنة 1971م، موشّحة بمقدّمة أو تذييل بحسب تعبير الأقدمين، للمفكر الحضاري الجزائري الراحل مالك بن نبي المتوفى عام 1973، ولا غرو فالدراسة «مالكية» الهوى والمنحى والمنهج!
يُقدّم الباحث نهاد درويش وأظنه سوري أو فلسطيني، لدراسة واقعنا الاجتماعي في العالم العربي ومجتمعات المسلمين على نحوٍ عام، من خلال مفهوم «الحيل النفسية»؛ هذه الحيل التي نمارسها فرادى وجماعات، في السابق والحاضر، وسنبقى نمارسها في المستقبل وفي قادم حياتنا أيضاً، وهي بمنزلة معوّقات الفعالية ومن موانع النهوض الفردي والاجتماعي.
ينتخب المؤلف ثلاثاً من أبرز هذه «الحيل» التي نكاد نمارسها يومياً؛ الأولى حيلة «العائق الوحيد»، ومثالها تعليق بعض الأعمال على إكمال الدراسة، كقول أحدنا: سأتجه إلى المهنة والعمل حالما أُكمل دراستي، أو سأتزوج وأساعد والدي بنفقة البيت عندما أنتهي من جمع مبلغٍ من المال، أو سأقوم بتنظيم وقتي وأموري الحياتية عندما استقرّ، وحصيلة هذه الأمثلة جميعاً هي فوات الواجبات وتعطّل الأعمال، لأن صاحبها لن ينطلق إلى العمل أبداً، بل يبقى يستبدل عاملاً بآخر وهكذا، وهو غارق بالمطال والتسويف!
هذا مثال عملي وقع لمدرّسة من أقرب المقرّبين لي، حين كانت تعاتبني حدّ اللوم أنني لا أقدّم لها شيئاً من كتبي، لذلك فهي عازفة عن القراءة، فقدّمتُ لها كتاباً قبل أكثر من اثني عشر عاماً، وقد آلمني في إحدى زياراتي لبيتها، ما آل إليه الكتاب، من سقوط الغلاف، وتمزّق أوراقه وتبدّدها بيد أطفالها، قبل أن يؤول مصيره إلى الاختفاء والضياع، كما لاحظتُ ذلك في الزيارات اللاحقة!
وبعد عشر سنوات عندما نسيتُ الواقعة أو كدتُ وبرُد ألمها في نفسي، أعادت الكرّة، فأهديتها كتاباً جديداً، وعلّلتُ الأمر أنها ربما تكون قد تغيّرت، ثمّ سألتها عنه بعد سنة، فذكرت لي بالنص أنها لم تقرأ منه شيئاً، بل لا تدري أين هو، وما اسمه؟ ثمّ أضافت: أنها ستتفرّغ للقراءة، حالما تتقاعد؛ وقد مرّ الآن على تقاعدها أكثر من سنة، ولم تقرأ صفحة واحدة لي أو لغيري، وقد خرجتُ من صفقة «التسويف» هذه، بخسارة ثلاثة كتب!
الحيلة الثانية التي تحدّث عنها المؤلف، هي حيلة «الكمال الزائف» والثالثة هي حيلة «تضخيم جانب واحد» والحصيلة، أن أصحاب الحيل النفسية، تنتهي أعمارهم، وهم لم يبدؤوا حياتهم بعد؛ وهذا المصير يشمل الأفراد كما الجماعات، والبلدان كما
المجتمعات!