النينو يتسبب بهطول الأمطار وموجة سيول وفيضانات تعم أرجاء البلاد

ريبورتاج 2018/12/08
...

بغداد/ فجر محمد
 
لم يعتمد العراقيون على اجتياح بلادهم من قبل السيول والفيضانات بشكل كبير، ولكن هذا العام كان هذان المتغيران المناخيان ضيفين طارئين على البلاد، اذ تسببا بغرق العديد من المناطق ببيوتها واراضيها وممتلكاتها، بل وصل الحال الى تهجير عدد كبير من المواطنين في المحافظات التي اكتسحتها السيول، وهذه الظواهر الطبيعية اثارت الاستغراب لدى الكثير من المواطنين.
استاذ علوم الجو في الجامعة المستنصرية الدكتور ثائر عبيد اشار الى ان الجهود العالمية منصبة اليوم ومهتمة  بالتغيرات المناخية والاحترار العالمي الذي جاء نتيجة النشاط البشري  وما خلفته الثورة الصناعية وزيادة وتنوع وسائل النقل ومصانع تحلية المياه فضلا عن الانشطة البشرية المختلفة ، اذ انها تعد عوامل مؤثرة في المناخ بشكل كبير لذلك فالدراسات الرصينة تحاول ان تفسر ما يحدث من تغير مناخي.
 
المحيط الهندي
كانت امارات القلق والاضطراب واضحة على محيا الاربعينية سناء سالم وهي تجمع اوراق عائلتها الثبوتية ومستمسكاتهم الرسمية تحسبا لاي طارئ على الرغم من  انها تسكن منطقة امنة في قلب العاصمة بغداد الا انها كما تقول:
«اشعر بالخوف والتوجس من ان تكون بغداد معرضة هي الاخرى للسيول والفيضانات، لذلك حاولت ان اقوم ببعض الاستعدادات في المنزل وتنبيه اولادي ان يحذروا فيما اذا تعرضنا للسيول والامطار الغزيرة، وما حصل مؤخرا من تغير مناخي اثار استغرابنا الشديد ولم نعرف السبب الحقيقي لهذه الاضطرابات المناخية «.
الاستاذ في علوم الجو عقيل غازي يجيب عن هذا التساؤل بالقول:
« ان ظاهرة السيول ليست بالجديدة ولا الغريبة، كما ان غزارة الامطار لاتعد حدثا غير معهود او مسبوق بالبلاد ، وانما هما نتيجة وتعبير عن ظاهرة دورية متعلقة بالنظام الكلي للطقس، لان المحيطات الاطلسي والهادي والهندي لديهم تاثير على المناخ بصورة عامة ومن المعروف ان الهندي يشهد منذ فترة ليست بالقليلة ظاهرة تعرف بالنينو وهي زيادة درجات حرارة هذا المحيط مما يؤدي الى حدوث مستويات رطوبة عالية متبوعة بتذبذب للضغط {شمال اطلسي سالب} فيقوم النينو بسحب النشاط المطري من اوروبا الى منطقة شرق المتوسط والعراق والجزيرة العربية وارتفاع الرطوبة في المناطق المدارية، ومن الجدير بالذكر ان زيادة درجات حرارة المحيطات تؤدي الى تكرار النينو بشكل متزايد».
 
انتعاش الزراعة
على الرغم من الاضرار التي تسببت بها السيول الا ان الامطار الغزيرة التي رافقتها كانت بمثابة بشائر سارة هطلت على الاراضي التي عانت من الجفاف لفترات طويلة كما يقول المزارع كامل فياض وهو ينظر الى اراضيه التي زحف على بعضها الجفاف اذ يتابع قائلا:
«ان سقوط الامطار الغزيرة سيعود بلا شك بالنفع على المزروعات المختلفة لاسيما تلك التي تعتمد عليها بشكل كبير، اذ ستدب فيها الحياة من جديد بعد الفترات القاسية التي مرت بها، ولكن المخاوف موجودة ايضا من ان تتجاوز هذه الامطار الحد المعقول فتغرق تلك الاراضي».
الوكيل الفني لوزارة الزراعة الدكتور مهدي القيسي يرى بأن الامطار مهمة جدا للزراعة خصوصا الديمية التي تعتمد على المطر بشكل اساسي ، فضلا عن تلك التي تعتمد على الارواء اذ تعد بمثابة ري مجاني وبدون اي تكلفة، وبالرغم من الهطول الشديد لها الى ان دوائر الزراعة في المحافظات لم تسجل اي ضرر على الاراضي الزراعية بل فقط تلك القاحلة.
لافتا الى ان زيادة نسبة الامطار هذا العام ستنعكس بشكل ايجابي على الزراعة اذ سينمو العشب وسيكون مراعي طبيعية للثروة الحيوانية، فضلا عن زيادة المياه الجوفية نتيجة تسرب كميات منها للارض، كما ان دجلة والفرات سيمتلآن من جديد وبالتالي من الممكن ان يشهد القطاع المائي زيادة بالرغم من قلة الايرادات المائية التي تطلقها دول الجوار بين الحين والاخر.
 
استنفار الجهود
كانت محافظات الجنوب والشمال من اكثر المناطق تضررا بالسيول، ومنذ ان بدأت الامطار بالهطول بغزارة وفرق الدفاع المدني في المحافظات تستنفر قواتها وجهودها، وبحسب اعلام مديرية الدفاع المدني العامة فإنهم قد اجلوا العديد من العوائل التي تعرضت قراها للغرق، فضلا عن فتح الطرق التي تعرضت للانسداد بسبب السيول مع ردم التخسفات الحاصلة في الجسور، كما ان المديرية استجابت لنداءات الاستغاثة التي اطلقها اهالي المناطق المنكوبة باستخدام عدد من زوارق الانقاذ الحديثة والمعدات المتطورة.
الدورات المناخية
الاستاذ عقيل غازي يبين ان شدة النينو ترجع الى نظام معين يتعلق بالتيارات المائية البحرية في المحيطات وهي مدروسة ومتنبأ بها، على الرغم من انها قد تكون مكتشفة حديثا اذ لفتت الانظار اليها في فترة الثمانينيات، الا ان الدورات المناخية لم تنقطع على مر التاريخ وهناك تسجيلات ووثائق تعود الى القرن الثامن عشر تفيد بان العالم شهد سنة خلت من موسم الصيف بشكل كامل.
 
تنبؤات طقسية
ترصد دول العالم ميزانيات ضخمة للمناخ والطقس وكيفية التنبؤ والتوقع بما سيطرأ عليه من تغيير.  وفي الجامعة المستنصرية توجد لجنة تنبؤات للطقس وكما يقول الدكتور ثائر عبيد فانه:
«قد تعرضت منطقة الشرق الاوسط الى فيضانات في مناطق مختلفة سبقتها سيول في احدى دول المغرب العربي وهي تونس تسببت باضرار جسيمة في البنى التحتية، كما عاشت الاردن ظروف طقس سيئة خلفت العديد من الضحايا، فضلا عن غرق العديد من المناطق والطرق الرئيسة في الكويت ، ثم قضاء الشرقاط في العراق الذي شهد هو الاخر موجة من الامطار الغزيرة ادت الى نفوق الكثير من الحيوانات وغمر قرى باكملها.
ومن الجدير بالاشارة الى ان هناك حوضا علويا باردا تقدم فوق منطقة شرق المتوسط والعراق بسبب نشاط عدة بؤر من الضغط السطحي المنخفض(قرب جزيرة قبرص ومنخفض البحر الاحمر)وتقدمه باتجاه البلاد مما ادى الى موجة امطار متوسطة، كما انه لغاية الان لا توجد مخاوف من تعرض العاصمة الى السيول.
ويشار الى ان النينو ظاهرة عالمية تشمل ما يعادل نصف الكرة الارضية ، اذ يحدث خلالها تسخين عالٍ لدرجة حرارة المحيط الهادي ايضا ، فتتسبب بفيضانات في مناطق معينة واخرى يضربها الجفاف كما حدث في  كاليفورنيا مما ادى الى الحرائق وهي تحصل كل عدة سنوات.
 
مركز بحثي متطور
تتعرض الكثير من البلدان سنويا للفيضانات الا ان الادارة الصحيحة من قبل الجهات ذات العلاقة تجعل من هذه الامطار ذات نفع كبير.
وبحسب الاستاذ في علوم الجو عقيل غازي فإن من الملاحظ ان آلية التعامل الصحيح مع الامطار لدينا هي تكاد تكون غائبة اذ ان منظومة الخزانات معدة فقط لدرء الفيضان الناتج عن ذوبان الثلوج وليس لحصاد الامطار، وفي موجة الفيضانات الاخيرة تكون اكثر من عدة ملايين من الامتار المكعبة من المياه التي نزلت من منطقة قزانيا الى منطقة الشهابي واستقرت في خزانات صغيرة جدا بينما الفائض ذهب الى منخفض الشويجة الذي يعاني من التملح وايضا  الاهوار التي تعد قاتلة للمياه لكونها مصبات، في حين كان من المفترض ان تنعش حوض دجلة بشكل ملحوظ. مبينا ان هناك مطالبات من قبل المختصين بانشاء مركز بحثي علمي متخصص بالمناخ يراقب التغيرات ويضع الدراسات والبحوث العلمية الرصينة التي تختص بكيفية الاستفادة من الامطار الغزيرة التي تهطل على البلاد بين الحين والاخر.