بغداد / علي ناصر الكناني
في فترة سابقة كنت قد التقيت بعدد من الحرفيين العاملين في سوق الصفارين ، الذي يعد من اشهر اسواق بغداد ومعالمها التراثية والسياحية القديمة كونه أُنشئ قبل مئات السنين ويعود زمنه - كما تشير المصادر التاريخية - الى عهد الدولة العباسية ، وجرى الحديث معهم بشأن ما يمر به السوق من تداعيات وارهاصات بعد ان هجره صناعه وحرفيه ورشهم ومحالهم الى مهن اخرى لا تمت بصلة الى مهنة الصفارة والنحاس بسبب الكساد وقلة الاقبال على شراء منتجاتهم النحاسية التي يقومون بتصنيعها بأنفسهم لوجود البضائع الاجنبية والعربية المستوردة والجاهزة بأسعار زهيدة اذا ما قورنت بالمنتجات المحلية والمصنعة يدويا كذلك عدم تقديم الدعم المادي والمعنوي من قبل الجهات المعنية للصفارين من اصحاب هذه الورش ولعل من طريف ما أثاره بعضهم من ذكريات فريدة ونادرة ونحن نتجاذب اطراف الحديث معهم .
ما أجده يستحق الذكر وانا اكتب عن ذلك ، فقد ذكر احدهم بان والده وجده كانا من قدامى صناع هذا السوق ومن اشهر العاملين فيه مشيرا الى انهما قاما بصنع العديد من التحف الفنية الجميلة من النحاس التي كان من بينها مشربية ذات زخارف ونقوش رائعة اهدتها الحكومة العراقية آنذاك الى زعيمة الهند الراحلة انديرا غاندي خلال زيارتها
للعراق .
وذكر اخر حادثة اخرى سمعها من والده لا تخلو من الطرافة والغرابة ، وهي ان كتيبة الخيالة في العهد الملكي كان فرسانها يمرون بالخيول التابعة لهم من داخل السوق اثناء اشتغال الصفارين ووسط ضجيج مطارقهم لتعويدها على الاصوات العالية ، لكي لا تجفل او تفزع كما انها تعودت ان تتناغم خطواتها اثناء المسير مع اصوات ضربات المطارق ، كما ان سوق الصفارين قد شهد ايضا في السنوات الماضية زيارة عدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والفنية من بينها رئيس وزراء العراق السابق نوري سعيد والزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الذي عرف عنه انه كان يحث على تشجيع العاملين في السوق من خلال شراء مصنوعاتهم لاستخدامها كمستلزمات للطبخ في الوحدات العسكرية
للجيش .
بقي ان نقول ان سوق الصفارين يستحق من الجهات المعنية وقفه جادة لا عادة الحياة له ولورشه قبل ان يغالبها الضياع والنسيان وتكون هي وسوقها اثراً بعد عين .