ضيف نادي السرد في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الروائي حميد الربيعي احتفاءً بمجموعته القصصية (غيمة عطر) الفائزة بجائزة الإبداع التي ترعاها وزارة الثقافة، بحضور مجموعة من الأدباء والمثقفين.
وقال الروائي حميد الربيعي في الجلسة التي أدارها الروائي محمد علوان: إن المؤشرات الرئيسة التي جعلته يشترك في المسابقة، "هي القيمة الفنية التي توجد داخل هذا الأمر، فلست أنا الذي أتحدث عنه، وانما النقاد والقراء هم من يكتشف ذلك".
لكن الفكرة الرئيسة التي جعلته يشترك هي بغداد –العراق- ولدى الربيعي جملة في نهاية المجموعة، تحديداً، في الأسطر الأخيرة تتضمن "قرار شخوص القصة في التخلص من الجثتين التي تغطي رائحتهما المتفسخة على منطقة قنبر علي".
وهذه العبارة، حسب الربيعي، محور الموضوع "عندما قرروا بعدما تخلصوا من رائحة التفسخ، وهم العترة الباقية لسلالات مبادة وقبائل متناحرة وأقوام مشردة أن يعيشوا معا "، هذا هو الخطاب السردي داخل المجموعة القصصية كلها.
ويتذكر الربيعي في الحديث "قبل سنوات ماضية كنا نقول ان العراق بلد لم يعد يتحرك، من السرقات والقتل، وأن شعبه ليس من الشعوب الحية التي تتحرك بسرعة مثل الشعب المصري أو التونسي، "لكني كنت أراهن على شيء آخر".
كما وكان الحديث عن محور القصة، والشخصيات التي بدأت تتبلور وتتمحور أمامه، شخصيات حيوية ما بين الجدوى التي نبحث عنها والتي يبحث عنها حميد الربيعي والواقع المر الذي وصلنا اليه، فكان لابد لهذه السلالات والقبائل المندثرة والأقوام المتناثرة أن تتخلص من الرائحة العفنة، وتبدأ مشوارها من جديد الذي حدث في "أكتوبر" العام الماضي.
أما الناقد فاضل ثامر فقد تحدث أثناء مداخلته عن الاشكاليات النقدية أو الروائية في المجموعة القصصية، ويقول: ظهرت اتجاهات نقدية واشكاليات كبيرة بالنسبة لتجنيس القصة القصيرة، فظهر اتجاه يحاول أن يربط بين نماذج معينة بين المجموعات القصصية بوصفها تنطوي على متوالية ومشتركة سردية، وفي دراسات ربما قبل أكثر من سنة لنقاد منهم "نادية هناوي، والدكتور ثائر العذاري" اشتركوا في مفهوم المتوالية السردية وكانت لهم اضاءات مهمة في السرد العربي.
وسلطت مداخلة رئيس اتحاد الأدباء الباحث ناجح المعموري الأضواء على إشكالية المصطلح، وأسئلة منها، "هل عرف السرد العراقي هذا النموذج في الكتابة السردية الحديثة والمعاصرة، وهل عرف القص العربي هذا النموذج؟".
ويقول المعموري: جاسم عاصي هو أول من اطلق مصطلح المتوالية على مجموعة القاص جهاد مجيد حكايات مدينة دومة الجندل. وتحدث عن تحمس جاسم بمصطلح المتوالية وكذلك ثائر العذاري والناقد فاضل ثامر الذي أشار بدوره الى مشاركة جاسم عاصي ومساهمته في هذا المجال وغير ذلك.
ورحب نائب الأمين العام لاتحاد الادباء ورئيس تحرير جريدة الصباح الناقد علي الفواز عبر مداخلة تحدث خلالها عن الجائزة التي يستحقها الروائي حميد الربيعي، وقال: ليس لأنه كاتب سردي، وانما لأنه يحاول أن يوظف السرد للحفر في ذاكرة بطاقة حكواتي طاقة الباحث والاكولوجي، بكل ماتعنيه هذه الطاقة من فلسفة ولغة ومجسات معرفية تجعل من السرد تأسيسا، ومن المعرفة فعلاً في التفكير كمحفز على الحياة وانما يجعل الكاتب أكثر قدرة على الفصل بين الخير والشر وما بين القبح والجمال.
وأضاف: بودي أن أتحدث عن هذه المجموعة التي أثارت جدلا ليس لفوزها، لكنها فعل اشكالي على المستوى الفني والسردي والتاريخي، إذا افترضنا أن السارد اليوم مثلما في الرواية ، قد طرد المؤرخ بالكامل وبدأ يصطنع العالم بوصفه سرداً.
التاريخ لم يعد موجوداً، وانما هناك مجموعة من السرود التي يكتبها حرفيون فعالون قادرون على رواية ذلك، ويعتقد الفواز أن هذه الوظيفة الاستثنائية الفائقة جعلت من هذه المجموعة القصصية أو من قصاصين وروائيين آخرين هم الذين من نعرف العالم من خلالهم، أي عندما نتحدث عن روايات كبيرة وضعت العالم على طاولتنا -لا أعتقد- اننا نحتاج الى التاريخ.
واستذكر الفواز عبر حديثه واحدة من زياراته إلى القاهرة ومعه ثلاثية نجيب محفوظ، قائلاً: كنت أبحث عن الأماكن التي صنعها محفوظ في رواياته، حميد الربيعي في "غيمة عطر" بدأ من العنوان الحسي المكثف بثنائية المقاطعة وصولاً إلى التعقيدات المتنية اشارة إلى الناقد فاضل ثامر قد حاول أن يجعل المدخل إلى المتن حسياً أو فيه وظيفة الاستدعاء.
الرواية أو المجموعة القصصية، وفق الفواز، تقوم على سلسلة من الوظائف بدءا من وظيفة الاستدعاء الى التأمل والحفر ثم الشك والقلق وصولاً إلى وظيفة النقد التي تبناها في نهاية مجموعته القصصية حينما قال "علينا أن ندفن"، أنها تورية للتاريخ، لكنها أيضا ليست بديلة عن التاريخ.
كما وتحدث قائلاً: وظّف حميد الربيعي هذه المتوالية بتوظيف يختلف عن المألوف. قصص تنتمي إلى فضاء واحد وأبطالها يعيشون الاغتراب والتحول يجتمعون بطوق واحد هو البحث عن الحياة والغيمة متى تمطر، في أي مكان هذه الغيمة الافتراضية، لكن هم ابطال اصيبوا بخيبة بسبب التاريخ والسلطة والفقر والجوع لذلك فإن هذه المجموعة يمكن قراءتها من زواية مختلفة، فحينما تقرأها وفق الاطروحات الماركيسية ستجد صراعا طبقيا حقيقيا فيها. بينما عندما تقرأها من حيث المنهج التاريخي ستجد فيها اشكاليات التاريخ وهكذا.
ويجزم الفواز أن هذه المجموعة القصصية تحتاج الى قراءة فلسفية اكثر مما هي قراءة نقدية بسيطة، لأنها تشتغل على صراعات وتحولات كبيرة، حتى الشخصيات داخلها هي متحولة، ليس تحولا بشريا تقليديا، إنما لمجموعة من المهيمنات الخارجية كأن تكون مهيمنة السلطة، وبالتالي حينما نقف من بداية المتوالية الى نهاية المتوالية حتما سنقول :إننا كنا ضحايا لهذه الرائحة النتنة التي انتجتها الصراعات والخيبات والحروب بما فيها الحروب التي عاشها العراق.