فوزية ضيف اختصاص في الفلسفة المعاصرة، وأستاذة للفلسفة المساعدة في "قسم الفلسفة" بـ "المعهد العالي للعلوم الإنسانية" في (جامعة تونس المنار)، وكانت قدِ انخرطت في عوالم التشكيل الفني (الرسم) منذ أيام الدراسة الفلسفية في مرحلة البكالوريوس، وأدلقت ضيف الله عشقها للفن التشكيلي عامة، والرسم على نحو خاص، منذ سنة 2017 عندما شاركت في معارض جماعية، وتالياً معارض فردية، فكانت مشاركتها منذ سنة 2017 في "المعرض الدولي للفنون التشكيلية"، مراكش، ومن ثم في احتفالية "يوم الشباب المغاربي.
المركب الشبابي المغاربي"، في برادس لسنة 2017، وتالياً في "معرض رمضان الفنون التشكيلية بالزهراء، الجمعية التونسية الدولية للفنون والحرف"، لسنة 2017. وفي "الملتقى الدولي للفنون التشكيلية بالعوينة، دار الثقافة أحمد حمزة بالعوينة" لسنة 2017. وتواصلت مشاركاتها في سنة 2018 في لقاء "لمّة الأحباب، دار الثقافة أحمد حمزة، العوينة". وفي "المعرض الجماعي السنوي للمركز الدولي للتربية والفنون بحدائق المنزه". وفي "المعرض الجماعي"تقاليد"، دار الثقافة حمام الشط"، وفي "المعرض الجماعي السنوي للمركز الدولي للتربية والفنون بحدائق المنزه" وغيرها.
وكذلك في سنة 2019 عبر "معرض الفنون التشكيلية، دار الشباب الزهراء". وصولاً إلى مشاركتها في "المعرض السنوي لرابطة الفنون التشكيلية"، ومن ثم تجربتها في معرضها الشخصي سنة 2019 في تونس العاصمة "في ناس 2019، في سيدي بوسعيد، دار الشباب، وعنوانه (أيّام زمان)"، وتكرّرت تجربتها الفردية في معرضها لسنة 2019 تحت عنوان (تأويليّة اليومي)، وهي فضلاً عن ذلك عضو في (نقابة الفنون التشكيلية)، وعضو في (رابطة الفنانين التشكيلين)، وغيرها الكثير.
القرابة بين الفلسفة والفن واليومي
ثمّة علاقة واضحة المعالم بين الفلسفة والفنون، وهو ما درسته في محاضرات فلسفية متتالية تلقتها في خلال سنوات مرّت، فليس الفن، ولا التشكيل الفني، ولا الرسم ببعيد عن ذائقتها الجمالية، ولذلك عملت على صب ثقافتها الفلسفية، بل تخصصها الفلسفي، في كمِّ اللوحات التي رسمتها خلال سنوات، ولنا في معرضها الانفرادي لسنة 2019 تحت عنوان (تأويليّة اليومي) أنموذج لهذه القرابة بين الفن والفلسفة، بل القرابة بين اليومي والفلسفة والفن، فلم يذهب تخصّصها الفلسفي هباءً منثوراً في فراغ اللحظة، وكذلك لم يذهب "اليومي" في الحياة والوجود في الهباء المنثور ذاته، بل عملت على خلق التلازم بين ريشة الألوان وكل ذلك فأنتجت أعمالها الفنية، لا سيّما في خلال السنوات الثلاث الماضية.
الأنوثة والكوجيتو المجروح
راق لي معاينة لوحتها تحت عنوان " الكوجيتو المجروح" لسنة 2019، وفي عنوان اللوحة مصطلح فلسفي يعود إلى الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، وهذا مؤشر فلسفي يقترب من تخصص ضيف الله، وفي اللوحة ثلاث شخصيات تشغل الرؤوس البشرية فيها واجهة الحدث، أو بؤرة المخاطب في اللوحة، ولأنّ الرؤوس فيها تعود لنساء فتلك إشكالية أنثوية، فالوجوه ملطخة جندرياً بجراحها، ولا تعطينا الوجه الأنثوي متكامل الملامح إلّا بوصفه ذاتاً مجروحة، وهو إلغاء للذات النسوية بحكم الواقع المعاش، ليبدو إلغاءً ذكورياً إلغاءً للذات الأنثوية، وهو أمر غير مستغرب في العالم الثالث، ولا العربي، ولا الأفريقي بوصف الرسامة تنتمي إلى القارة الأفريقية.
كما أنّ البنية اللونية، وفي ظل القهر الذكوري، بقيت مشعة بوصفها الأثر الخالد للذات الأنثوية رغم القمع، وما عراء الظهر لدى كل أنثى في اللوحة سوى تعرية جلية للقمع الذكوري الباحث عن لذّاته، فهذه اللوحة ترمي إلى تعرية جملة من الأوهام، لا سيّما وهم العقل الذكوري، ووهم الوعي، ووهم المركزية التي يفكر بها
الذكور.
قناديل البحر
تعود لوحة "قناديل البحر" إلى تمثيل إحدى الأساطير اليونانية، لكن ضيف الله قرأتها ليس بعيداً عن وعيها الفلسفي ما يذكّرنا بالعود الأبدي لدى فريدريش نيتشه (1844 - 1900)، وهذا هو العمق الفلسفي، لكنها القناديل في اللوحة تبدو ثائرة وهي تبحث عن الخلود إلّا أنّها تسقط في تحولها إلى قنديل خطير لا يسلم من غلوائه أيّ أحد بمن فيهم الذات الذكورية، وهذه قراءة للأنوثة التي لا تعرف للهزيمة عائق فتثور وإن خسرت أنوثتها وتحوّلت إلى كائن متوحِّش للدفاع عن وجودها
وذاتها.
في لوحة "أنثى غجرية" لسنة 2019، والعنوان مستمد من رواية (أنثى غجرية) لكاتب المقال تتجلى قدرة المرأة على مقارعة مصيرها العارض، ففي الرواية كانت البطلة "أسماء" قد تعرّضت إلى اغتصاب صاحب المركب أو زورق التهريب من المغرب الذي يهربها إلى أوروبا، وسال لعابه لاغتصابها في عرض البحر، لكنها قاومته حتى تخلّصت منه، وفرت إلى
اليابسة.
ويبدو أن هذه اللوحة السردية في الرواية راقت للدكتورة فوزية ضيف الله، فتمثلتها في لوحتها لسنة 2019 بالعنوان نفسه "أنثى غجرية"، والحدث نفسه ولكن بذائقة جمالية تشكيلية بعد أن أكملت شرطها التشكيلي بما يتواءم مع مشهدية السرد فيها وفي الرواية.
لقد كانت الغاية واضحة تتعلّق بلوحة "قناديل البحر" التي أبدت الأنثى فيها شجاعة نادرة بغية الخلاص من الذكورة القامعة، ومثيلتها في لوحة "أنثى غجرية"، فالهمّ الأنثوي هو واحد وأن تعدّدت الأجناس الجمالية للتعبير عنه.إنّ تجربة الدكتورة فوزية ضيف الله في الفن التشكيلي تتوافق كثيراً في ما بين همّها الفلسفي "التخصّص بالفلسفة"، والهمّ الوجودي الذي تعيشه بوصفها أنثى في الحياة، والهمّ التشكيلي بوصفها فنانة "رسامة"، وهو ما يدل على وحدة صوت الهمّ في كليته وإن تعدّدت سبل التعبير
عنه.