تطور التربية

الصفحة الاخيرة 2020/02/28
...

حسن العاني 
 
أعتقد جازماً أن (تربية الأبناء) واحدة من أهم الركائز التي تقوم عليها سعادة (الأسرة)، إن لم تكن هي الأهم لكونها لا تكتفي ببناء شخصية الفرد بناء سليماً، بل تتعدى تأثيراتها الى المجتمع بأسره سلباً او ايجاباً، ومعلوم بأن هذا التأثير تحكمه نوعية الوعي ودرجته لدى اولياء الامور، ومعلوم كذلك بأن بلدان العالم الأكثر تطوراً، هي في الوقت نفسه، الاكثر اهتماماً بالمؤسسات التربوية وتطورها باستمرار، وهكذا تتعاون المؤسستان (البيتية والرسمية) على إعداد جيل يتحلى بأفضل المواصفات الذهنية والفكرية والاخلاقية 
والجسدية...
لا بدّ من الاعتراف ولو بعد فوات الأوان، ان منهجي التربوي مع ابنائي كان قائماً على الخطأ لأنه اعتمد على أسلوب (التخويف)، واذا كانت لي ذريعة أتذرع بها فهي التربية التي نشأتُ عليها، ففي طفولتي المبكرة التي تعود الى قرابة سبعة عقود، كان والداي رحمهما الله – وبالذات أمي – يعمدان الى تخويفي بمخلوقة غريبة تدعى (السعلوة)، لها أوصاف مرعبة وسلوك مخيف (حين بلغتُ مبلغ الرجال اكتشفتُ أنّ ثلاثة أرباع زوجاتنا سعلوات!!).. وكنت أرتجف ذعراً وقد أبكي بمجرد تهديدي اذا لم أخلد الى النوم مثلاً، او لم أتوقف عن شقاوتي وعنادي و.. وكثيرة هي الليالي التي زارتني فيها (السعالي) وعكّرت احلامي الطفولية، وكان من الطبيعي أن يتفنن العقل الباطن برسم صور لها تتمناها 
لعدوك!!
في مرحلة لاحقة يوم بلغت السادسة من العمر، وبدأتْ رحلتي الاولى مع المدرسة تولت أسرتي تطوير (جهاز التخويف)، وحوّلته من أنثى الى ذكر اسمه (الطنطل)، لا يقل رعباً عن سابقته ولا يختلف عنها في شيء، سوى أنه يحضر عند مناداته بلمح البصر اذا ما تهرّبتُ عن إنجاز واجباتي المدرسية!! – من باب الامانة حين بلغت مبلغ الرجال اكتشفت أن ثلاثة أرباع الازواج هم طناطلة، ولكنهم خاضعون لحكم السعلوات-!!
كانت الطناطل والسعالي (ربما هذا هو الجمع الصحيح للسعلوة) هي وسائل التربية التي ابتدعتها أذهان أولياء أمورنا وعقولهم قبل أكثر من نصف قرن، واذا شئنا الدقة العلمية، فإنها الوسائل التي أملتها المرحلة وطبيعة الظروف ومستوى الوعي.. واذا كان ذلك مقبولاً في عشرينات القرن الماضي او في الثلاثينات والاربعينات وربما حتى الخمسينات، فلماذا عمدتُ اليه أنا في السبعينات خاصة بعد حصولي على وظيفة (معلم)؟ إنه خطأ لا مجال لتبريره بأنني ورثت هذه الاساليب عن والدي ووالدتي.. فقد لجأت من دون تبصّر الى تخويف ابني البكر (عمار) بشخصية حقيقية أثارت الرعب في سبعينات القرن الماضي تدعى (أبو طبر)، وعلى ما أذكر جيداً فإنّ الجميع كانوا (يخوّفون) الزعاطيط والاطفال والمشاكسين بهذا القاتل الذي يقطع الرقاب 
بواسطة الطبر!!
تطور التربية المذهل حصل بعد أن تزوّج أبنائي وانجبوا، إذ اصبحوا أفضل منّي في أسلوب التربية (مستفيدين) من معطيات الانترنت والموبايل والانفتاح 
والديمقراطية.