نافذة الجيران

ثقافة 2020/02/29
...

  حميد المختار 
 
  فيلم أميركي قصير يحصل على الاوسكار للمؤلف (داني ويبرت) والمخرج (مارشال كوري) توافقا على تقديم فيلم بسيط لكنه كبير بفكرته ومفارقته التي يفاجئ بها المتلقي، عمارتان وشقتان متقابلتان ونافذتان تمثلان مدخلاً للثيمة الغنية، يكتشف الزوجان الملولان أن جيرانهما في النافذة المقابلة يعيشان حياتهما كما ينبغي، مشهد حميم يدعو
الزوجين اصحاب الاطفال الثلاثة الى مراجعة نفسهما والتفكير، لماذا هما هكذا؟ لماذا ينغمسان بالملل والابتعاد عن الحميمية والحياة الشاعرية الجميلة التي يمارسها الناس امامهم، لديهم اطفال وهي مسؤولية كبيرة تخرج الأم للنزهة مع الاطفال وتأتي بأكياس التسوق، لتجد زوجها يتواصل مع زملائه واصدقائه، هو يعمل، لكنها لا تفهم ذلك انما تظن انه يتواصل معهم ويقضي اوقاتاً ممتعة وهي متعبة بمسؤولية الاطفال، كل ذلك تفجّر منذ أن شاهدا المشهد الحميم للجيران، تتابع هي حياة الجيران من خلال المنظار، تتابع كل صغيرة وكبيرة خصوصاً حين تكون وحيدة في الشقة، يكتشف الزوج ذلك فينسحب بهدوء ويترك زوجته منغمسة في تلك العوالم التي صارت تحتل جزءاً كبيراً من حياتها وصولاً الى نهاية المشهد الحميم، فتفهم الزوجة ان الجار الشاب ليس على مايرام وزوجته حزينة، تخبر زوجها يشاهدان ذلك ليكتشفا أن الزوج الشاب مريض، ثم يموت، يأتي الممرضون يحملون الجثة الى سيارة الاسعاف، تخرج الزوجة لتتابع الحالة، تشاهد الزوجة التي تبكي وحيدة على زوجها الراحل، تقترب منها كي تواسيها، حين تراها الزوجة الشابة تفاجأ وتخبرها الست أنت في الشقة المقابلة لنا؟
تفاجأ المرأة لانها اعتقدت أن الأخرى اكتشفت تطفلها عليها، لكن الزوجة الشابة وبعد ان تتعانقا، تقول الست أنت أم الأطفال الثلاثة، هؤلاء الاطفال الحلوين، ما أسعدكم كنا نتابعكم أنا وزوجي
المريض،!!
نكتشف في النهاية ان الانبهار كان متبادلاً بين الأسرتين، الأسرة الاولى تمنت أن تفعل ما تمارسه الأسرة الثانية من حياة رومانسية وحميمية وهم الذين افتقدوا ذلك منذ زمن، بينما الأسرة الثانية تكتشف انها كانت تفتقر الى الدفء الأسري وصخب الاطفال ولهذا كانا يراقبان الأسرة من غير ان يكتشفوا ذلك .. إنّها نوع من الرغبة التبادلية ان جاز التعبير وهي عادة تحتل النفس الانسانية في كثير من الاحيان، فالانسان لا يقتنع عادة بما يملك انما تظل عيناه تراقبان حياة الاخرين
ويتمنى ان يعيش كما يعيشون، واذا بالاخرين يحملون الرغبات نفسها، ويتبيّن أنهم لا يعيشون حياتهم كما ينبغي، وفي النهاية تظهر نافذة الأسرة من الخارج وهم يعيشون حياتهم الأسرية ولكن من وجهة نظرنا نحن وعين المراقبين الاخرين الذين سيظلون يراقبون ويتمنون ويشعرون بخواء حياتهم، فيلم طوله عشرون دقيقة لكنه غني بثيمته
وأفكاره .