أطفالنا.. آمالٌ ضائعةٌ

آراء 2018/12/15
...

واثق الجابري

 
أكثر من خمسة عشر مليوناً هم أطفال العراق، من بين خمسة وثلاثين مجموع السكان.. وطامتنا الكبرى أنَّ أغلبهم تتلقفهم سوق العمالة بعد تسربهم من المدارس، فكثيرٌ منهم أبناء شهداء أو ضحايا حروب وإرهاب يبحثون عن لقمة عيش.
يُقارب هذا العدد نصف المجتمع العراقي بقليل، وأعمارهم دون 14 عاماً، قاصرون ومقصرٌ بحقهم.
سببت الحروب والحصار وطبيعة الأنظمة المتعاقبة في العراق، تراجعاً في إدارة الدولة، وتفاوتاً طبقياً كبيراً.. فالأيادي الحكوميَّة مقصرة، تجاه مناطق في أحوج ما يكون لعناية ورعاية حكوميَّة، ويترتب على ذلك أعدادٌ كبيرةٌ من الشباب محرومي الفرص، والأطفال فاقدي الأمال، ممن يتحتم عليهم مواجهة الحياة وسوق العمل، من أجل لقمة عيش لعوزهم العائلي، والجوع، الناتج مِنْ تنفذ طبقات جزء منها من
 المجتمع نفسه.
أسبابٌ عدة منعت الأطفال من أخذ فرصتهم في الحياة.. فأبناء الشهداء وضحايا الحروب والعائلات المعوزة، بل حتى أبناء الموظفين لم تخصص لهم مخصصات منصفة من رواتب الآباء، ولا تتناسب مع متطلبات الدراسة والحياة، ولم يعط كل الأطفال، فرصة الحياة الكريمة، وتنمية القدرات 
الذاتيَّة.
بعض الأهالي يعتقدون أنَّ صناعة الطفل كرجل للمستقبل، من خلال زجه في سوق العمل، وإنْ كان في العطلة الصيفيَّة فحسب، وبالنتيجة سيصبح الطفل ضحيَّة السوق، ويتعلم خارج المنزل التدخين وارتياد الأماكن المشبوهة، وبالاستمرار يصبح مدمناً على كثيرٍ من العادات السيئة، وتدفعه الحاجة الى جلب المال بطرق غير مشروعة، أو ربما تجعله لقمة سائغة يسهل استدراجها من عصابات الجريمة 
والإرهاب.
أسبابٌ أخرى اجتمعت مع الفقر؛ كانشغال الآباء بالعمل من الصباح الى المساء، وفقدان ولي الأمر، أدت لتسربهم من المدارس، وقادت بعضهم لمتاهات، تبدأ من التمرد البسيط الى عصيان كبير وانتقام من قيم العائلة والمجتمع، والانجراف بعادات وسلوكيات سيئة، وكُشفت أرقام مفزعة عن عدد الراسبين والمتسربين، فهناك 900 ألف راسب في المرحلة الابتدائية، و132 ألف تلميذ متسرب، والمشكلة بتزايد مستمر مع نقص البنى التحتية والملاكات
 التدريسيَّة.
ذات المشكلة أسست لمجتمع متمرد على نفسه، ومستند على قواعد هشة تبدأ من الطفولة، وسنوياً يرتقي مليون فرد من هؤلاء الى مرحلة الشباب، وسيواجهون مصيراً أسوأ.
غيابُ الإدارة الصحيحة والفساد، وتفكك الروابط بين الدولة والمجتمع، وعوامل سياسية واقتصادية، وعدم وجود رؤى مستقبلية لأهمية الطفولة وما بعدها الشباب، أثرت في العائلة العراقيَّة، وجعلت البلد يتذيل التصنيفات العالميَّة بالرقي والرفاهية وجواز السفر، وما يترتب عليها من مردودات مستقبلية، ومن سياسات انشغلت بالصراعات وتصفية الحسابات والمحسوبيات والفساد، وبالنتيجة ليس الأطفال فحسب هم المظلومون، إذا ألحقنا شريحة الشباب، فسيكون ما يقارب الـ60 % من الشعب العراقي، تحت طائلة الإهمال وفقدان الآمال، وضياع دورهم في بناء المجتمع، 
وهذا ما ظهر جلياً لدى معظم القوى السياسية، التي تكلست وحرمت الأطفال من حقوقهم، نتيجة قصر نظرها، ومنعت الشباب من ممارسة أدوارهم، كنتيجة لتمسكها 
بالسلطة.