منهل عبد الأمير المرشدي
في مفارقات الزمن الرتيب لعهد جمهورية الخوف الصدامي إذ كان (الفارس القائد!) هو كل شيء وفيه يختزل الوطن وكرامة المواطن وكل الاسماء والألقاب التي اختزلتها رئيسة الأتحاد العام نساء العراق حينها منال الآلوسي بقلادة من تبرعات ذهب الماجدات فضمت تلك القلادة (99) تسعة وتسعين اسما على قدر اسماء الله الحسنى حيث هو السيد الرئيس الرمزالقائد الفارس الهمام البطل الصنديد الضرغام الراية العلم الرمز الشجاع المهيب فارس الميدان وبطل التحرير القومي المبدع المنتصر ابو عيون حلوة ! ..الخ ، في ذلك الزمن الذي صار مألوفا فيه ان يتسلم الأب جثمان ابنه وفلذة كبده المعدوم رميا بالرصاص فيدفع ثمن الأطلاقات التي مزقت جسد ولده ويبصم عند ضابط الامن متعهدا ألاّ يقيم مجلس العزاء على روح الأبن المظلوم الذي لم يرتكب ذنبا سوى انه لم يكن بعثيا او يتردد على مسجد للصلاة او ربما قال كلمة سهوا او همسا او ربما طرفة مع صديق في مكان ما مسّ بها عن قرب اوبعد كبرياء الصنم الطاغوتي او جلاوزته . نعم كان على الكل ان يرقص للقائد وتردد الأهازيج معا القاتل والمقتول الشانق والمشنوق الضحية والجلاد كان يصر على ان يخلط الطهر بالعهر والحلم بالقهر ومن موت الى موت ومن بؤس الى بؤس وصولا الى المجهول جرّ علينا كل هذه الويلات .. كثيرة هي الغرائب .. لا ادري لم خطرت في بالي حكاية ابو عرموطة كقفشة بسيطة من قفشات عصر البعث المقبور؟، والمختصر فيها : ان ام جاسم المرأة الكبيرة السن فقدت اثنين من ابنائها الثلاثة في الحرب مع ايران ولم يبق سوى ولدها علاء فتوسلت باحد أقربائها المقربين من السلطة ليجعل خدمته العسكرية في احدى بساتين الاسرة (الرئاسية) بمنطقة المحيط على شواطئ الكاظمية ببغداد.. تحقق لها ذلك بعد التي واللتيا الا انها فوجئت بخبر توقيف ولدها في سجن الرضوانية بأمر من (الأستاذ) عبد حمود من دون ان تعرف السبب . ظلت تنتظر الفرج وتحاول الوصول عبر قريبها وغيره لنيل العفو عن الأبن الوحيد من دون جدوى لأن الأمر مناط بالأستاذ حصريا. نفد صبرها فقررت ذات يوم الذهاب الى البستان وطلب العفو من (الأستاذ). وصلت في الصباح الباكر وبقيت تنتظر وصوله عند مدخل بوابة البستان حتى ساعة متأخرة قبل الغروب . فأقبل وأفراد حمايته يحيطون به وبشاربه الهاطل على يسار حنكه وعينيه الغافيتين من تداعيات سهرة الأمس في النادي الرئاسي وهو يترنح في مشيته بالزي الزيتوني ومسدس عيار 16 ملم يتدلى بخيطه وخيوطه الى ما تحت الركبة. انهالت عليه حال معرفتها انه هو ( الأستاذ ) وهي تبكي وتنحب وتقبل قدميه وتمرغ وجهها على حذائه وتصرخ... استاذ (اعفو عن وليدي اخوته اثنينهم شهداء بالقادسية).. كان عبد حمود صامتا واجما شارد الذهن لاينطق ببنت شفة.. استطاع ان يرفع عينيه قليلا بعد جهد وقال للرفيق مسؤول البستان
(شنو قصتو ابنها ) اجابه انه قبل ستة اشهر قطع عرموطة من البستان من دون اذن وحاول اخراجها معه فأخبرنا سيادتكم وقررتم حبسه . ولم يخرج حتى الآن لأنكم سيادتكم لم تأمروا بذلك ولا احد يستطيع ان يخالف امر سيادتكم .. هنا سمع الجميع صوتا اشبه ما يكون بالشخير خرج من منخري الأستاذ عبد حمود ثم قال ( اهووووه هذا ابو عرموطه .... طلعوو.. طلعووو.. !! ).