إبراهيم البهرزي
لا بد من استهلال بسيط عن موضوعة القبلة في السينما استله من كتاب" نجوم السينما" للفيلسوف والمفكر والمنتج السينمائي أدجار موران يصف فيه تأثير القبلة في السينما :
"نجوم السينما، هم الذين بجّلوا قبلة الفم، وأدخلوها في وقت لم يكن لها وجود، فهي ليست الأساس في ممارسة الحب وحسب، وانما البديل السينمائي لعملية الجنس، التي تمنعها الرقابة ، والقبلة هي الرمز المظفّر لدور الوجه والروح في غرام القرن العشرين ، إذ تتواكب مع جنس الوجه، فالاثنان كانا مجهولين في الماضي ، وهما لايزالان الى اليوم مجهولين لدى بعض الحضارات ، ليست القبلة اكتشافا للذةٍ. لمسيّةٍ جديدة وحسب ، بل هي تعيد الروح الى الاساطير اللاواقعية، التي تماهي بين النَفَس الذي يطلع من الفم وبين الروح ، وهي ترمز الى تواصل او توحّد في الروح، اذن ليست القبلة وحسب تلك التوابل التي تزين كل فيلم غربي ، بل هي التعبير العميق عن مركب غرامي يجَنّس الروح ويضفي على الجسد بعداً
مقدساً" .
ويُعتَقَد أن أول قبلة على الشاشة كانت ضمن فيلم عنوانه " القبلة "(1896) وحدثت بين الممثل جون سي رايس والممثلة ماري اروين، و دامت لمدة عشرين ثانية، إذ انتهى بها الفيلم نهاية سعيدة وسط استعراض موسيقي مصاحب، ويرى الناقد طارق الشناوي - وهو من أفضل النقاد السينمائيين العرب بعد الراحل سمير فريد- ان أول قبلة في السينما العربية ، حصلت في العام 1927 ضمن مشهد من فيلم "قبلة في الصحراء" للمخرج الفلسطيني المصري ابراهيم لاما، بين بطله بدر لاما( شقيق المخرج) والممثلة بدرية رأفت، لكن من اشهر قبل السينما المصرية، هي تلك التي ظهرت في فيلم " الوردة البيضاء " (1933) حيث تبادلها الموسيقار محمد عبد الوهاب والنجمة الشامية سميرة خلوصي، والتي احتج عليها الأزهر بعد عرض الفيلم وقدم بلاغاً للامن العام، ادى الى حذف
مشهدها.
وثمة قبلة شهيرة اخرى لم تكن في الحسبان، ولا مكتوبة في السيناريو، هي التي حدثت في فيلم " صراع في الوادي" عندما اندفعت النجمة فاتن حمامة في قبلة طويلة غير متوقعة منها لشريكها في الفيلم عمر الشريف، وسط ذهول المخرج والفنيين، اذ كان المشهد في السيناريو مجرد"احتضان" لا أكثر، هذه القبلة لم تذهب سدى، فقد اعلن النجمان الزواج بعدها مباشرة!! .
و يتفق أغلب نقاد السينما المصرية على ان فيلم " ابي فوق الشجرة" للمخرج حسين كمال، كان الاكثر إسرافاً في القبلات ، اذ كان الراحل عبد الحليم حافظ يوزع القبلات "يمنة ويسرة" على الصبية الصغيرة حينها ميرفت امين والنجمة نادية لطفي، ما اثار الكثير من النقد الجارح، هناك قبلات في السينما العالمية. يصعب نسيانها، منها على سبيل المثال قبلة" انت في الجيش"(1941)، التي دامت أربع دقائق تقريباً، وتعد قبلة بيرت لانكستر لديبورا كير على شاطئ البحر في فيلم "من هنا الى الخلود"(1953) الاكثر سخونة في التاريخ، ومن
القبل الشهيرة الاخرى، تلك التي تبادلها بيلي كريستال مع ميج ريان في رائعة روب راينر الكوميدية "هاري التقى سالي"(1998)، وقبلة مارلين مونرو وتوني كيرتس في فيلمها الشهير" البعض يفضلها ساخنة"، وتلك التي منحتها انجريد بيرجمان لهمفري بوغارد في تحفة مايكل كورتيز " كازبلانكا" (1942)، وربما القبلة الاشهر التي ظلت عالقة في ذاكرة المشاهدين، تلك القبلة الموجعة في الفيلم التاريخي الاشهر"ذهب مع الريح" بين فيفيان لي وكلارك كيبل، وانا كمشاهد لا انسى قبلة اودري هيبورين و جورج بييبار الرقيقة تحت المطر في "إفطار في تفياني"(1961)، و يبقى السؤال : هل إن قبلة السينما حقيقية ام مصطنعة؟
من الصعب اصطناع قبلة بين شفتين، بل ربما يكون محالاً، فإن ابتدأت تمثيلاً فهي لن تلبث ان (تسخن) وتغدو قبلة حقيقية ساخنة.
اما عند امتناع النجمة عن التقبيل، فيصور المشهد من خلف الكتفين ليبدو كمشهد قبلة في حين يلتصق واقعاً خدا الممثل و الممثلة من دون تلامس الشفاه، وغالباً ما تفاخر الممثلة المصرية دنيا بان معظم قبلاتها في السينما" حقيقية".
وقد سمعت السيدة لبلبة تقول في لقاء تلفزيوني" ان الفنان عادل امام قد قبلها اكثر مما قبلها زوجها الحقيقي" والمفارقة ان زوجها الاول حسن يوسف، كان قد طلقها بسبب موافقتها على تقبيل الممثل حسين فهمي لها في احد الافلام، وحين شاهدها الزوج الغيور، رمى عليها يمين
الطلاق !
وبحسب موران فإن "القبلة في افلام هوليوود تتطابق مع التصريح بالغرام "، فمن الواضح انها( في افلام هوليوود) تستجيب لقواعد محددة بدقة،فهي ليست الاحتكاك العنيف بين الشفتين، لكنها عبارة عن اتحاد سام ، تتوازن فيه الروحانية مع الحمى الجسدية توازناً متناسقاً، وفِي كل يوم ثَمّةَ ملايين الشفاه تعيد تلك القبلة ذاتها، التي هي القربان الاول في الحب المعاصر.