فيلم {لمسة} في الكادر الأسود

الصفحة الاخيرة 2020/03/03
...

حسين السلمان
واحدة من العناصر السينمائية التي تدعوني إلى الكتابة عن أي فيلم، هي محاولته  مهما كانت نتائجها في الخروج عن مألوفية التوجه والسائد،  لاسيما اذا كانت المحاولة قادمة من الشباب.
وفيلم  "لمسة " الذي يقدمه لنا المخرج ستار الحربي مع كاتبه مصطفى ستارالركابي ومصوره احمد الحجاج وممثليه محسن خزعل ونورهان الاسدي، يقع ضمن تلك الدائرة التي يدور حولها الفهم السينمائي لمتطلبات الفيلم الروائي القصير وقدراته التعبيرية، التي حين تستخدم بوعي وإدراك ، توصلنا إلى نتائج إيجابية مهمة .
 
مدخل سردي
منذ اللقطة الأولى للفيلم يغزونا وجه ترتسم عليه البلادة والانكسار وهو يتطلع إلينا ، نحن المشاهدين،مثلما نحن نتطلع اليه.فكل شيء يغرق في وحدته، يغرق في صمته،عبر لقطة قريبة يؤكدها عنصرها الزمني الطويل نسبياً، وهي تحدد لنا جملة من الوظائف،  التي تبدأ بالانفتاح الجزئي على بقية العناصر الأخرى للحكاية السينمائية المكثفة،فتنكشف الأحداث واضحة، وبعدها ندخل في حدث ذي خيط رفيع يمسك بشخصياته ويقدمها خالصة في جو اسري مشحون بالضغينة والحقد والاستسلام ، هو جو جاء نتيجة لحرب أفرزت لنا هذه الشريحة،  بكل ما تحمل من ضنك الحياة وبؤسها ومرارتها، وفي هذا التزاحم للأحداث يفقد السرد مركز الأهمية بالنسبة للشخصية، فيتم إهمال الفعل والتركيز على رد الفعل ( المرأة والرجل في البداية)، التي هي  حالة من متكررات الحياة الاسرية،  وأشياء مما يعيشه الإنسان حين يفقد قدراته الجسمانية والفكرية على حد سواء، وهذا ما دفع الحكاية الى أن تذهب إلى الغموض كطريقة، أو حالة تتجانس مع الحدث وتتناسق معه في الوقت ذاته، واتكأ الوجه الآخر في السرد على الحوار، الذي ذهب كثيراً، إلى حد الطغيان على الكثير من العناصر اللغوية السينمائية، كما أنه أحدث إرباكاً في استخدام المفردة اللغوية الفاعلة وذات التأثير على حركة الفعل الدرامي، بغض النظر عن شعبية أو (نفور المعنى) الكامن فيها (مجمل حوارات المرأة وحوارات الاتصال الهاتفي)، وهي حالة تتناقض والفهم الدقيق في التعامل مع الهامش وانعكاساته في العمل الفني بشكل عام.
 
الكادر الأسود
منذ الانشقاق عن السينما التقليدية، أخذت التجارب السينمائية تستخدم طرقاً وحالات كثيرة: منها الكادر المائل، الحوار خارج الكادر، إدخال ورسم أشكال غريبة على الشريط السينمائي، تفكيك الحدث، والميل للقطة الثابتة، والطويلة، وأفلام المكان الواحد ، واستخدام الكادر الأسود، الذي يعيده لنا مخرج الفيلم ستارالحربي، مشحوناً بحوار يستعيد فيه الإيحاء لعدد من الأهداف ، التي يرى أنها موائمة لأفكاره وتوجهاته، كأنه يستند على حكمة كلمني حتى أراك .وهنا يتوجب في الكادر الأسود أن يتم الاشتغال على الصوت انطلاقاً من قوته الدرامية والفكرية، ومن هنا نراه يحتاج إلى صوت تعبيري يعتمد الأسلوب الإيحائي في نوعية وخاصية الصوت،والوصول إلى نتائج أكثر دقة تستنهض الحدث بحيوية اكبر، مثلما فعل المخرج أورسون ويلز في فيلمه "المواطن كين" وتجربته المثيرة مع الصوت.
يمكن الإشارة إلى الاشتغال السينمائي الجيد، الذي تجسد عبر الميل إلى صناعة الأشياء طبقاً لما يراه المخرج، معتمداً على اللقطة القريبة،التي كانت وحدته البنائية الأساس،وتقدمت في تكوينات دقيقة وخارج مألوفية الأشياء الجاهزة ( الجلوس قرب النهر وما رافقه من لقطات الديتايل )وهي محاطة بحجم وزوايا لقطات، غالباً ما تميل إلى زوايا ما فوق مستوى النظر، من أجل أن يكون الإيحاء درساً مثمراً له في التعبير عن أحاسيسه وعواطفه ، التي كانت ايجابية مع شخصياته ومع أحداثه،على العكس من ذلك الذي ظهر مع الموسيقى من دون تجانس، فلا يمكن لذات الموسيقى أن تمر على حالتين مختلفتين، لكن دور الإضاءة امتلك زمام وظائفه وذهب يمنح الحدث، وكذلك الشخصية، زخماً ودفقاً كبيرين يدعمان الحالة الدرامية بشكل فيه من التفكير السليم والجيد
(المشاهد الداخلية).
 
انتماء التمثيل 
لقد جاء أداء الممثل محسن خزعل منتميا بصدقه وعفويته  الى مسرح ستانسلافسكي، ممزوجاً بقدرات تعبيرية دقيقة تتحدث فيها عيناه وجسده، بشكل ينساب بعذوبة.كلها تؤكد أن الممثل يدرك خواص عمله، وقد أعد لها برنامجاً خاصاً به، للوصول إلى ما هو أجمل الطرق في التعبير عن المشاعر والأحاسيس التي تتطلبها كل لحظة من تلك اللحظات . 
أن هذا الإدراك منح الممثل خاصية التفاعل، وعكس الانفعال الداخلي من دون الاعتماد على الكلمة ( الشخصية صامتة لم تستخدم الحوار اطلاقاً) كما أنها معاقة تفتقد الحركة،اذن فهي شخصية مركبة تحتاج إلى موهبة كبيرة وإلى معرفة العناصر والأسس العلمية لحرفية التمثيل، لتصل إلى نتائج تمنح المتلقي قناعة بذلك الأداء،.وحقاً استطاع الممثل محسن خزعل أن يرتقي إلى هذا المستوى، الذي منح الفيلم إضافة نوعية متحدة مع بقية العناصر الجديدة التي أنتجت لنا هذا الفيلم الذي تمتع بخواص سينمائية 
جيدة.