أكثر من عشرين مليار دولار من العملة الصعبة يمكن أن توفرها المنتجات المحلية سنويا، وفقا لتقدير خبراء الاقتصاد، وذلك تعويضاً عن المبالغ التي تنفق لاستيراد السلع والبضائع، والتي تسجل ارتفاعا مطردا في كل عام.
ووفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط، فإن حجم الاستيرادات السلعية لسنة 2018، ارتفع الى 37 مليار دولار أي ما يعادل 43.8 ترليون دينار مسجلاً نسبة ارتفاع بلغت أكثر من 17 بالمئة مقارنة بالعام
2017.
ويؤكد الاستاذ البروفيسور جعفر باقر علوش، أن "قيمة الاستيرادات السنوية للعراق في تزايد مستمر"، مضيفا أن "هذه الاستيرادات أغلبها لسلع استهلاكية يمكن انتاجها داخل العراق".
وأردف علوش لـ "الصباح": "لو افترضنا أن هناك امكانية لإنتاج 70 بالمئة من هذه السلع داخل العراق؛ لتم تحقيق زيادة في صافي الميزان التجاري بمقدار 26.18 ترليون دينار عراقي أي ما يعادل 22.12 مليار دولار سنويا".
وأشار الى وجود "نحو 280 مصنعا متوقفا تابعا للقطاع العام، وهي من المصانع الكبيرة والمتوسطة، رغم أن إعادة تشغيل هذه المصانع قد لا تستوعب أيدي عاملة جديدة، كون لديها ملاكات وظيفية لكنها عاطلة هي الاخرى عن العمل، وتمثل بطالة مقنعة تشكل عبئا على الموازنة العامة وفي المقابل ليس لديها أي انتاج يذكر".
وما يخص القطاع الخاص، فإن "هناك نحو خمسين ألف مصنع متوقف عن العمل، كانت تنتج مختلف السلع الاستهلاكية المهمة"، بحسب علوش، مشيرا الى أن "هذه المصانع في حال احيائها، ستوفر مليون فرصة عمل وربما أكثر، كلما حققت كفاءة انتاجية اضافية، وفي الوقت نفسه يمكن أن توفر سلعا متنوعة بدلاً من استيرادها من الخارج".
ونوه علوش، بأن "المكاسب الحقيقية لتشجيع المنتج المحلي، يمكن تحقيقها وهي متاحة بشرط توفر الارادة السياسية لدى أصحاب القرار، كما يمكن أن يسهم ذلك في تقليص عجز الموازنة بشكل كبير جدا مع تشغيل الكتلة الاكبر من قوى العمل العاطلة إن كانت بطالة حقيقية او بطالة مقنعة، إضافة الى تغيير نمط الاقتصاد من اقتصاد توزيعي وريعي الى اقتصاد منتج يحقق وفورات اقتصادية مع تفعيل الموارد المالية وتوجيهها نحو الداخل."
ويؤكد علوش أن "المشكلات المعيقة لإنتاج السلع محليا هي في أغلبها وهمية مرهونة بضعف الارادة الحقيقية لمتخذي القرار الاقتصادي"، وأشار الى أن "هناك امكانية لإعادة النظر في هيكلة القطاع الانتاجي الخاص والعام وتوجه رؤوس الاموال المحلية، من خلال المصارف الحكومية التي تمتلك سيولة مالية فائضة قادرة على تمويل الدفعة المنشطة لقطاعات الانتاج، مع تفعيل قوانين داعمة وتهيئة بيئة سليمة للإنتاج والتوزيع للسلع المحلية".
قوانين داعمة
بدورها، طالبت غرفة تجارة بغداد بتفعيل القوانين لدعم المنتج الوطني، وأكد رئيس الغرفة فراس الحمداني لـ "الصباح"، ان "غرفة تجارة بغداد تدعم وتشجع المنتج الوطني، الا أن نجاح ذلك يجب أن يقترن بالارتقاء بهذا المنتج، وأن يكون ضمن المستوى المطلوب".
لكن الحمداني شدد على "أهمية أن تقوم الحكومة بدورها في دعم المنتج والمسوق، وفي الوقت نفسه نطالب الجهات المصنعة والمعامل بايجاد شريك مناسب لدعم منتجاتها".
برنامج حكومي
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي عبد الحسين الهنين، وهو مستشار رئيس الوزراء، الى أن "الحكومة قدمت برنامجاً بصدد إحياء الصناعة وتشغيل الايدي العاملة، محددا بتوقيتات تقابلها مشاريع وبرامج عمل".
وأضاف الهنين في تصريح لـ"الصباح"، "هناك تقارير أظهرت أن الحكومة حققت خلال ستة اشهر من عملها أكثر من 79 بالمئة من هذه البرامج، بينما حققت 72 بالمئة خلال النصف الثاني من عامها الاول، رغم الاحداث التي مرت بالعراق"، مشيرا الى أن "هذه النسب تعد متقدمة وتظهر الانتقال من حالة الصفر الى حالة الإنجاز".
وأكد الهنين، أن "هناك تقدما في انتاج القطاعين الزراعي والصناعي، فعلى سبيل المثال فإن انتاج الحنطة المحلية تجاوز خمسة ملايين طن، وهو رقم قياسي لم يتحقق سابقا، كما ارتفع انتاج الرز بواقع ثلاثة عشر ضعفا، فقد تم حصد نحو 660 ألف دونم وهذه الارقام موثقة في وزارتي التخطيط والزراعة والمنظمات الدولية التي رفعت تصنيف العراق في مجلس الحبوب العالمي".
كما أن العراق، بحسب المستشار الهنين، "اقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الخضراوات والشعير، ولم يعد يستورد القمح أو الرز الا بكميات قليلة وتنفيذا لتعاقدات
سابقة".
وأوضح الهنين، أن "هناك جهدا كبيرا لتشغيل مصانع الدولة، وهناك مصانع تم تشغيلها فعلا، وشركات تابعة لوزارة الصناعة تحولت الى شركات رابحة أو اصبحت شركات متعادلة بعد أن كانت خاسرة، وتم ايضا انتاج مواد غذائية واعادتها الى السوق العراقية"، مبيناً ان "هذه الجهود تأتي ضمن ستراتيجية تتبعها الحكومة للتخلص من الاعتماد الكلي على تصدير النفط، وتنويع مصادر الموازنة وتعظيمها من هذه الإيرادات".
انتعاش كبير
من جانبه، أكد عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية سالم اطحيمر في تصريح خاص لـ "الصباح"، أن "الانتاج الوطني خلال المدة الماضية شهد انتعاشا كبيرا، لذا على البرنامج الحكومي الجديد دعم المنتج المحلي من خلال فرض ضرائب على المنتجات المستوردة تشجيعا ودعما
للصناعة الوطنية".
وأشار عضو اللجنة، الى أن "القطاع الزراعي أسهم بشكل كبير في دعم المنتج الوطني"، منوها بأن "تشجيع الصناعات المحلية وتشغيل المعامل والمصانع سيوفر فرص عمل كبيرة، فضلا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي".
أما الباحث الاقتصادي الدكتور علي عبد الكريم حسين، فيشدد على "أهمية أن ترافق تطبيق قوانين حماية المنتج المحلي، جملة من الاجراءات، أبرزها تهيئة البنية التحتية للقطاعات الاقتصادية من النواحي المادية والفنية والتكنولوجية، وإعادة هيكلة المنشآت الانتاجية في القطاع العام".
ويضيف قائلا: ان "فرض الرسوم الجمركية إجراء غير كاف، مالم ترافقه اجراءات تخدم الانتاج المحلي من خلال تقديم خدمات للقطاعات الانتاجية كي تستطيع النهوض بالنشاط الاقتصادي".
وبين حسين، انه "على الحكومة خلق بيئة تنافسية في الاسواق المحلية، والعمل على تصدير السلع الى الخارج، من أجل ضمان إحياء القطاع الصناعي والارتقاء به الى مستوى مقبول".