الفرنسيون يواصلون الاحتجاج سعياً لتعديلات أكبر

قضايا عربية ودولية 2018/12/16
...


رغم الوعود الحكومية بتحسين الدخل وتقليل الضرائب
باريس / وكالات
 
من جديد بدت باريس التي تعد مدينة الجمال والمكان الامثل للاحتفال بأعياد الميلاد في حالة حصار من آليات مدرعة في الشوارع إلى انتشار أمني كثيف ومصارف ومحال تجارية سدت واجهاتها بألواح خشبية، خشية اندلاع اعمال عنف وتخريب نتيجة تواصل التظاهرات.اذ واصل متظاهرو الستر الصفراء احتجاجاتهم للاسبوع الخامس على التوالي فيما استخدمت الشرطة الفرنسية، الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين.ونقلت وسائل إعلام فرنسية عن دائرة الشرطة أن عدد المعتقلين أثناء الاحتجاجات تجاوز 50 شخصا.  وتجمع المتظاهرون في ساحة الشانزليزيه وسط باريس، اذ يعد ذلك تحديا لدعوات الحكومة الفرنسية للبقاء في المنازل، وقال أحد المحتجين الشباب «في المرة السابقة، كنا هنا من أجل الضرائب «هذه المرة للمؤسسات: نريد المزيد من الديمقراطية المباشرة»، مضيفا أن الناس في حاجة إلى «الصراخ لجعل أنفسهم مسموعين».
وذكرت مصادر صحفية أن حركة «السترات الصفراء» رفعت عشرات المطالب الى الحكومة ولكن ليس لديها برنامج متفق عليه أو قادة، مما يجعل مهمة التفاوض معهم صعبة.
وأشارت إلى أنه «حتى الآن، دعمت أغلبية واضحة من الفرنسيين الاحتجاجات، التي اندلعت في البداية حول رفع الضرائب على الوقود، قبل أن تصل إلى معارضة واسعة لخطط ماكرون المؤيدة للأعمال التجارية وكذلك أسلوب حكمه».
لكن استطلاعين للرأي، نشرا يوم الثلاثاء الماضي، في أعقاب تنازلات ماكرون، أوضحا أن البلد الآن منقسم على نطاق واسع 50-50 حول ما إذا كانت الاحتجاجات يجب أن تستمر.
وقال وزير الداخلية لوران نونيز، امس السبت، «نتوقع انخفاضا قليلا في عدد المحتجين، لكن الناس اصبحوا أكثر تصميما». وقال: «نريد فرنسا يعيش فيها المرء بكرامة من خلال عمله، وقد سرنا في هذا السبيل ببطء أكثر من اللازم، أطلب من الحكومة والبرلمان القيام بما هو ضروري».وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء كلمته في ختام قمة أوروبية في بروكسل، امس: إن «بلدنا يحتاج اليوم إلى الهدوء، يحتاج إلى النظام».
وأضاف: «قدمت ردا على مطالب السترات الصفراء، أن «الحوار لا يتم باحتلال الأماكن العامة والعنف» .
وكان ماكرون قد أعلن، الأسبوع الماضي، رفع الحد الأدنى للأجور وخفض الضرائب على أصحاب المعاشات، مقدما تنازلات بعد أسابيع من احتجاجات شابتها في الغالب أعمال عنف ومثلت تحديا لسلطته.كما أعلن أن الحد الأدنى للأجور سيزيد 100 يورو شهريا دون تكاليف إضافية على أصحاب العمل، وستلغى الزيادة الأخيرة على ضرائب التأمين الاجتماعي لأرباب المعاشات الذين يتقاضون أقل من ألفي يورو. 
  
حركات جديدة
في سياق متصل ألهمت حركة «السترات الصفراء» التي ظهرت قبل نحو شهر في فرنسا عددا من المحتجين في بلدان عربية منها الجزائر وتونس والاردن، إذ إن المطالب التي رفعت في فرنسا، والمتعلقة عموما بغلاء المعيشة في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، كانت قريبة إلى حد ما من مطالب المحتجين العرب، ما حدا بهم إلى ارتداء سترات صفراء أيضا، في تعبير رمزي عن رغبتهم في تحقيق ما حققه الفرنسيون من مكاسب.يبدو أن عدوى احتجاجات حركة «السترات الصفراء» الفرنسية قد بدأت تنتقل تدريجيا إلى البلدان العربية، إذ شهدت الجزائر وتونس خلال الأيام الأخيرة عدة مظاهرات دعي إلى العديد منها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وارتدى خلالها المشاركون سترات صفراء آملين أن «تثمر» احتجاجاتهم بتحقيق مطالبهم مثلما حدث في فرنسا.ففي مدينة بجاية شمال الجزائر، شارك الآلاف من المحتجين الثلاثاء الماضي حسب ما تناقلته وسائل إعلام جزائرية، في مسيرة مساندة لمجمع «سيفيتال» الذي يملكه رجل الأعمال يسعد ربراب، وارتدى فيها المحتجون سترات صفراء في تقليد واضح لحركة «السترات الصفراء» الفرنسية. ونشرت صفحة «بجاية كن المراقب «على فيس بوك، فيديو لمسيرة أخرى عرفتها المدينة ، وكانت «منظمة وسلمية، رفع فيها المشاركون شعارات للمطالبة بإطلاق سراح تواتي مرزوق وجميع معتقلي الرأي وحرية التعبير، وكذلك المطالبة بتكريس حرية التعبير والرأي المكرسة كحقوق في الدستور الجزائري». على حد ما جاء في تعليق مرفق بالفيديو. وارتدى خلالها عدد من المشاركين سترات صفراء أيضا. «السترات الحمراء» تستلهم طريقة «السترات الصفراء» بأسلوب تونسيوفي تونس، تم تأسيس حركة «السترات الحمراء» والتي تعرف نفسها على أنها «التنسيقية الوطنية لحملة السترات الحمراء» وبحسب بيان نشرته على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك في الثامن من كانون الأول «السترات الحمراء Gilets Rouges TN”، فإنها تناهض “الفشل والفساد وغلاء المعيشة والبطالة وسوء الإدارة والهيمنة على مفاصل الدولة واستمرار سياسات التفقير الممنهج”.ودعت الحركة إلى مسيرات ووقفات احتجاجية اعتبارا من الاثنين في العاصمة تونس وباقي مدن البلاد. أما في مصر، فقد استبقت السلطات الأمور وفرضت بشكل غير رسمي قيودا على بيع السترات الصفر للأفراد خشية انتقال عدوى التظاهرات الفرنسية إلى البلاد، بحسب ما أكده عديد من التجار الذين يبيعونها وسط القاهرة. وقد قال أحد المستوردين إنه «منذ أسبوع جاءتنا تعليمات من الشرطة ببيع السترات الصفراء للشركات فقط وعدم البيع للأفراد». كما ذكر أكثر من سبعة تجار يبيعون هذه السترات في شارع رئيسي وسط العاصمة المصرية، أن بيعها أصبح «ممنوعا بتعليمات من الشرطة»، نقلت عنهم وكالة الأنباء الفرنسية.اما في عمان فقد تظاهر أكثر من ألف أردني امس وسط العاصمة عمّان احتجاجا على قانون ضريبة الدخل الجديد، مطالبين بتغيير النهج الاقتصادي والسياسي للمملكة والإفراج عن نشطاء معتقلين.واحتشد المحتجون بالقرب من مقر رئيس الوزراء عمر الرزاز، وبعضهم يحملون لافتات ويهتفون شعارات تدعوه إلى الاستقالة وحل مجلس النواب، مطالبين بسحب قانون ضريبة الدخل والعودة إلى النهج القديم في السياسات الحكومية. بدورها شددت مديرية الأمن العام الاردني في بيان على أن «أي محاولة لمخالفة القانون وإيقاع الضرر بمصالح الآخرين أمر مرفوض ومخالفة صريحة تعرّض من يقوم بها للعقوبة».وأشارت إلى وقوع «خمس إصابات من القوة الأمنية المشاركة في الواجب جرّاء التدافع، وهم قيد العلاج»، كما وقعت بعض الإصابات الطفيفة في صفوف المحتجّين. 
وكان رئيس الوزراء عمر الرزّاز التقى الثلاثاء مجموعة من الناشطين الشباب المشاركين في تظاهرات احتجاجية واستمع إلى مطالبهم، مؤكّداً أهمية الحوار.وقالت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والناطقة الرسمية باسم الحكومة، جمانة غنيمات، خلال مؤتمر صحفي:  إنّ الحكومة «تؤمن بحقّ الناس بالاحتجاج وتؤمن بأنّ الاعتصام والشكوى مطلوبة».وأكّدت أنّ «التعبير في ظل القانون والدستور هو محلّ احترام وتقدير، غير أنّ الخروج عن القانون في التعبير يستوجب العقاب والمحاسبة»، مضيفة أنّ «الحوار هو الحلّ لمشكلاتنا». وكانت حركة «السترات الصفراء» قد انطلقت في فرنسا بدءا من عريضة نشرت على الإنترنت للتنديد بارتفاع أسعار الوقود، ما لبث أن تحولت إلى احتجاجات عارمة أوقعت قتلى ومئات الجرحى والموقوفين، وباتت تضرب كل سبت موعدا للتظاهر في باريس يتكرر منذ 17 تشرين الثاني  2018.يذكر أن السترة الصفراء إجبارية للسائقين في بعض الدول لارتدائها في حالة الطوارئ أو التوقف على الطريق السريع.