عبدالهادي مهودر
يعطل الصراع السياسي الذي يسبق تشكيل الحكومة الجديدة عمل الدولة كل اربع سنوات ويقصر عمل الحكومة المنصرفة على تصريف الامور اليومية ، في دولة تأخرت كثيراً ولا تحتاج الى المزيد من التعطيل .
ان النظام السياسي الذي تجري فيه عملية تداول للسلطة بشكل دوري، لابد أن يفكر ابناؤه في الدولة اكثر من الحكومة الموظفة في الدولة وان يتركز التفكير على تشكيل الدولة وترسيخ عمل مؤسساتها اكثر من التفكير والانشغال بتشكيل الحكومات التي تخلف بعضها دولة اعمق من الدولة وتبقي الدولة الأم مجرد دائرة رعاية اجتماعية ، فيما تجهد الاحزاب من اجل الوصول الى سدة الحكم وهو طموح مشروع لكنه مشروط بأن لا تتكرس الدولة لخدمة الحزب ولا يقود الحزب الدولة دون علم واطلاع سكان الدولة ، وتجربة الحزب الأوحد الحاكم ماكان لها أن تستمر الا بقمع الحريات وإسكات الاصوات ومنع التعددية الحزبية في البلاد ولا يمكن إلا ان يكون الانهيار والسقوط المدوي محصلتها النهائية الطبيعية ، ولايمكن في ظل التعددية الحزبية الحالية أن يحكم أي حزب الدولة بمفرده لكنه قد يستطيع الاستئثار بالحكم باستغلال عوامل ومبررات عديدة والى أجل محدود .
اثبتت الأحداث ان القوى السياسية لا يجوز أن تكون اقوى من الدولة او تعمل على إضعافها وإن تغييب الدولة يؤدي في نهاية المطاف الى إضعاف القوى السياسية وتهميشها وتلاشيها ، فالمخاض الدامي الذي مرت به الدولة العراقية في تجربة الحزب الواحد والاحزاب المتعددة اضعف الدولة لأن الحزبية كانت فوق الدولة او ارادت ان تكون فوقها دون انتباه الى حقيقة التنوع العراقي الصعب والمتداخل جغرافياً واجتماعياً ودون اكتراث بالجيل الناشئ الجديد الذي ينظر الى الحاضر ولايلتفت الى الماضي ، مع فارق في الحالتين بين تحكم حديدي فردي مطلق بالحكم وتحكم شكلي هش لايمتلك وحدة قرار خرجت منه القوى السياسية بخسارة لرصيدها الشعبي بشكل متفاوت حسب درجة التصدي ، ولو ان الأحزاب كانت تتنافس في عرض وتحقيق خطط اقتصادية تنموية محددة بسقوف زمنية وخضوع الجميع لحكم القانون بما يعزز هيبة الدولة لأصبحت قيادة أي حزب من الأحزاب للدولة مطلباً شعبياً ، واذا خسرت من رصيدها الشعبي فذلك لأنها تنافست على ان تذوب الدولة فيها لا أن تذوب هي في الدولة ، وكانت نتيجة هذا التدافع ذوبان معظم الاحزاب في الاسر والاشخاص وبقاء الذكريات والصور للتاريخ والارشيف .
ان دولة كالعراق لها سيرة ذاتية تمتد جذورها الى ماقبل تأسيس الدولة عام 1921 بمئات وآلاف السنين وتستند الى تاريخ حضاري طويل ومن الظلم الا تترسخ فيها الكثير من التقاليد بحيث تكون الدولة هي الثابت وسواها هو المتغير الذي لايتأثر بالتحولات السياسية ، لكن واقع الحال يشير الى تقطع هذه السلسلة الطويلة بحيث ان مطبوعات العراق وصحفه ومجلاته جميعاً من مواليد 2003 وهو عمر العملية السياسية وشيء من التاريخ ، على سبيل المثال لا الحصر ، ولذلك لابد من تفكير جدي في الا تتأثر حركة الدولة بالتجميد الدوري للحكومات وان تسير الدولة بحركة اسرع بكثير مماهي عليه بسبب الانطلاق من درجة الصفر في بدايات كل دورة حكومية والعودة في كل مرة لقصة البنى التحتية وكأن الدولة ولدت اليوم على يد دولة رئيس الحكومة الجديد .