لماذا بدأ انتشار فايروس كورونا في الصين؟

ثقافة 2020/03/09
...

 يي تشنغ ليان

 دعونا نتحدث عن الأسباب الثقافية لهذا الوباء.  مرض الفايروس التاجي الجديد أضحى له اسم الآن: COVID-19. وهذا قد استغرق بعض الوقت. تمّت سلسلة جينوم الفايروس في غضون أسبوعين أو نحو ذلك من ظهوره، لكننا لعدة أسابيع لم نكن نعرف ما الذي سنسميه، أو المرض الذي يسببه. لفترة من الوقت، في بعض الأحياء، كان المرض يمضي باسم "التهاب ووهان الرئوي"، نسبة لمدينة "ووهان" في وسط الصين، حيث تم اكتشاف أولى الإصابات البشرية. لكن التوجيهات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، التي عمدته باسم COVID-19 مؤخرًا، أثبطت تسمية الأمراض تبعاً للأماكن أو الأشخاص، وذلك، من بين أمور أخرى، لتجنب "الآثار السلبية غير المقصودة من خلال وصم مجتمعات معينة".
 
في الواقع، بتاريخ 29 كانون الثاني (يناير)، أبرزت صحيفة التابلويد الأسترالية المملوكة لروبرت مردوخ على صفحتها الأولى قناعاً أحمر مختوماً بـجملة "فايروس الباندا الصيني". كان التركيز على "الباندا" هو ما فعلته الصحيفة، لذا فإن الخطأ الذي تظاهرت الصحيفة بأنه إملائي كان مقصودًا أيضًا.  طالب صيني في ملبورن كتب محتجاً على ذلك في مقال نشره في صحيفة أخرى: هذا الفايروس ليس "صينيًا".
بطبيعة الحال، فإن الفيروس ليس صينياً، حتى وإن كان أصله يعود في نهاية المطاف إلى كهف في الصين؛ ولا حتى المرض الذي يسببه.
الأوبئة، من ناحية أخرى، غالبًا ما تكون مجتمعية أو سياسية، تشبه المجاعات التي تكون عادة من صنع الإنسان، على الرغم من أن القحط يحدث بشكل طبيعي.
بقدر ما يتعلق الأمر بالتفشّي الحالي، ثمة عاملان ثقافيان يساعدان في تفسير كيف يمكن أن يتسبب ظهورٌ طبيعيّ لفايروس واحد، يصيب حيواناً ثديّياً واحداً، في حدوث أزمة صحية عالمية. والآن، بالنسبة للجانب المثير للجدل في هذا النقاش: كلّ من هذين العاملين هما جوهريان، لكنهما ليسا بشكل خاص صينيَّين.
العامل الأول: هو تاريخ الصين الطويل جداً في معاقبة الرسول.
 
تقاليد العقاب
كان الطبيب الذي أعلن على وسائل التواصل الاجتماعي عن خطر اندلاع فايروسيّ محتمل من بين أشخاص عديدين استدعتهم الشرطة في مدينة "ووهان" في أوائل يناير / كانون الثاني وتم تحذيرهم من مغبة نشر الشائعات. توفي مؤخراً بعد إصابته بفايروس COVID-19.
وعلى نحو مماثل، فإن وباء السارس، الذي نجم عن فايروس كورونا آخر، والذي اندلع في جنوب الصين في أواخر عام 2002 قد تم التستر عليه من قبل السلطات المحلية لأكثر من شهر، وتم احتجاز الطبيب الجرّاح، الذي كان أول من دقّ ناقوس الخطر، في الحجز العسكري لمدة 45 يوماً.
في العام 2008، تفجّرت فضيحة بسبب حليب الأطفال الملوث، بعدما تبين أن المنتجين الصينيين الرئيسين أضافوا مركّب "الميلامين" الكيمياوي إلى مسحوق الحليب. (توفي ستة أطفال رضّع نتيجة لذلك؛ وأدخل 54.000 منهم في المستشفى). 
بعد أربع سنوات، تعرض نافخ البوق، الذي أطلق أوّل إشارة إنذار تحذيرية وكشف عن المخالفة، إلى الطعن حتى الموت في ظروف غامضة.
هذه أمثلة حديثة، لكن هذا لا يعني أنه ينبغي تعليقها على الحزب الشيوعي الصيني فقط: إن تقاليد العقاب لكل من يجلب حقائق محرجة كانت أمراً سائداً منذ زمن كونفوشيوس على الأقل، في القرن السادس قبل الميلاد.
يأخذ الرجل الحكيم صفحة من أثر أكثر قدماً، "التقليد الشعري الكلاسيكي" (المعروف أيضًا باسم "كتاب الأغاني")، وهو مجموعة من الأغاني والقصائد يعود تاريخها إلى القرن العاشر قبل الميلاد. أو قبل ذلك، ويعتمد إحدى قواعده: "لكي تبين الطريق، حافظ على أمان جسدك أولاً". قد يبدو هذا غير ضارّ بما فيه الكفاية، إلى أن يأخذ بنظر الاعتبار مصير أحد طلاب كونفوشيوس الأثيرين، (زي لو)، المعروف أيضًا باسم (تشونغ يو)، بعد أن قفز على القاعدة لمحاولته توبيخ أحد المغتصبين في صراع على السلطة بين لوردات إقطاعيين، فقُتل وفُرم جسده. (يقال إن كونفوشيوس لم يأكل لحماً مفروماً بعدها أبداً).
في القرن الثالث، اتخذت الحكمة شيئاً من الأسلوب الأدبي ونهجاً ملتوياً تعليميًا وساخرًا. في إحدى المقالات عن "المصير" كتب الفيلسوف لي كانغ: "الشجرة التي تنمو أطول من الغابة ستقتطعها العاصفة". وهذا بدوره، أدى أخيراً إلى قول مأثور حديث ومألوف أكثر، "الطلقة تصيب الطير الذي يبرز رأسه".
من المسلّم به أن حكام الصين يلتمسون أحيانًا آراء صادقة من رعاياهم، ولكن فقط نوعاً محدّداً من الآراء ولفترة محدودة عادة. دعا ماو تسي تونغ، في حملته "مئات الزهور" أو "أصوات كبيرة، قبضات كبيرة" في أواخر عام 1956 وأوائل عام 1957، إلى كشف الحقائق وإبداء الآراء النقدية بحرّية. 
بعد ذلك ببضعة أشهر، أتت حركة "مناهضة اليمينين"، والتي تم خلالها إرسال مئات الآلاف من المثقفين، الذين عبّروا عن آرائهم، إلى السجون، وأُجبروا على الذهاب للمنفى أو أخضعوا لسنوات طويلة من سوء المعاملة، وتم تدمير وظائفهم وعائلاتهم.
إن معاقبة الأشخاص الذين يقولون الحقائق كانت ممارسة معتادة للنخبة الحاكمة في الصين لأكثر من ألفي عام، وكانت وسيلة راسخة لفرض الاستقرار. 
إنها ليست اختراعًا للصين الحديثة تحت حكم الشيوعيين، على الرغم من أن الحزب، حسبما هو متوقع، قد أتقن هذه الممارسة. أما الآن، فقد ساعد تكميم فم الرسول على نشر وباء COVID-19 القاتل، الذي أصاب نحو أو أكثر من 75000 شخص.
 
المعتقدات الصينية
العامل الثقافي الثاني خلف هذا الوباء: هو المعتقدات الصينية التقليدية بشأن قوى أطعمة معيّنة، والتي شجعت على بعض العادات الخطرة. 
هنالك، على وجه الخصوص، جانب من ثقافة الأكل الصينية معروف باسم: جينبو "jinbu"، ويعني تقريباً: "حشو الفراغ". بعض ممارساته فولكلورية أو باطنيّة (سرّية)، لكن حتى بين الصينيين الذين لا يتبعونه فإن هذا المفهوم واسع الانتشار.
من الأفضل معالجة المرض بالطعام بدلاً من الدواء، هكذا تبدأ النظرية الكلّية. الأمراض تنتج عندما يستنفد الجسم الدم والطاقة، لكن ليس ذلك النوع من الدم والطاقة اللتين تُدرَسان في علم الأحياء والفيزياء، بل نسخة صوفية منهما.
بالنسبة للرجال، من المهم للغاية ملء الطاقة الفارغة، المرتبطة بالفحولة والبراعة الجنسية؛ أما بالنسبة للنساء، فالتركيز يكون على استبدال الدم، مما يحسّن الجمال والخصوبة. النباتات والحيوانات النادرة من البرّية يعتقد أنها تجلب تغذية أفضل، وخاصة عندما تؤكل طازجة أو نيئة. فصل الشتاء يقال إنه الموسم الذي يحتاج فيه الجسم إلى المزيد من أطعمة الجينبو. (هل يمكن أن يساعد ذلك في تفسير سبب اندلاع كلّ من "السارس" والوباء الحالي خلال هذه الفترة من السنة؟)
يبدو أن المؤمنين المتشددين بالجينبو يصدّقون هذه الفكرة أيضًا: "أشكال القطع المأكولة تقوّي الأعضاء المشابهة لأشكالها"، مع التنويه إلى أن كلمة "أشكال" تحيل في بعض الأحيان إلى الأعضاء البشرية ووظائفها. يحصي المؤيدون قائمة طويلة من الأطعمة الغريبة التي يعتبرونها وجبات مفضّلة، والتي يمكن أن تكون طرق الحصول عليها أو تحضيرها وحشيّة تمامًا، بعضها يمكن أن يثير التقزز إذا وصفناه 
هنا.
لقد رأيت ثعابين وقضبان ثيران أو خيول (عظيمة الفائدة للرجال كما تذهب إليه النظرية) في مطاعم العديد من المدن جنوب الصين. الخفافيش، التي يُعتقد أنها المصدر الأصلي لكل من فيروس "كورونا" الحالي وفايروس "السارس"، يُقال إنها جيدة لاستعادة البصر، خصوصاً براز الحيوانات البُرغُلي، الذي يسمّى "رمال اللمعان الليلي". المرارة والصفراء التي يتم جنيها من الدببة الحية هي جيدة لعلاج اليَرَقان، وعظم النمر مفيد للانتصاب.
الأكثر عادية حتى الآن، وليس الأقلّ شعبية، هي قطة "زَبَاد النخيل" الأسيوية، وهي حيوان صغير، برّي، من ذوات الأربع يشتبه بأنها قد نقلت فايروس "السارس" إلى البشر. عندما تطهى مع لحم الثعبان، يقال إنها تنفع في علاج الأرق.
 
مطاردة الكلاب
الأشخاص الأقل ثراء قد يلجؤون إلى لحوم الكلاب، ويفضّل أن يكون الكلب قد تمت مطاردته هنا وهناك قبل ذبحه، لأن بعض الناس يعتقدون أن المزيد من فوائد "جينبو" يتم جنيها عند أكل حيوان تدفقت دماؤه وطاقته بسرعة عالية. وعلى نحو مماثل، يعتقد أن الحيوانات التي يتم قتلها قبل تقديمها مباشرة تجعل من "الجينبو" أكثر فعالية، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل أكثر الذبائح غرابة في الأسواق الرطبة يباع وهو على قيد الحياة، مما يجعله أيضًا ناقلاً أكثر فاعلية لأيّ فايروس قد يحمله.
لطالما أيّد العلماء تناول الحيوانات البرّية الغريبة ورفعوه إلى مستويات صوفية عالية، بما في ذلك في أطروحة طبية بعنوان "الكتاب الباطنيّ المقدّس للإمبراطور الأصفر"، كتبت قبل نحو 2000 عام وما زالت تحظى باحترام الكثير من الصينيين المهتمين بالصحة اليوم. إن المعتقدات المتعلقة بالفوائد الصحية لتناول حيوانات برّية معينة، والتي تُناقش في أعمدة الصحف والعديد من مواقع الإنترنت المختصة، ويتم تدريسها كذلك في كليات الطب في الصين، متغلغلة في الثقافة الصينية.
صحيح أن هذه الممارسات ليست سائدة في عموم الصين. كما أنها ليست بشكلٍ خاص نمطاً صينيّاً استثنائياً، فثمة العديد من الناس في العديد من البلدان الأخرى، يتناولون أطعمة غريبة أيضاً. 
إلاّ أن ما يلفت الانتباه بشأن الصين هو أن هذه المعتقدات حول القوى الخاصة لبعض الأطعمة قد تم قبولها، وهي معترف بها الآن حتى بين الأشخاص الذين لا يمارسونها. لقد أضحت راسخة بعمق في الوعي الجمعي الصيني.
ومن ثمّ، فهناك أسباب قوية للقول بإن اندلاع فايروس COVID-19 الحالي قد ساعدته في ذلك عادتان ثقافيتان صينيتان أساسيتان. قد يكون سماع ذلك محرِجاً، فالفكرة قد تقع في سمع بعض الناس كوقع الإهانة. لكن من الضروري التحقق من جميع الأسباب الكامنة خلف هذا الوباء المميت مهما كانت طبيعتها، لأن عدم القيام بذلك سيستدعي فقط ظهور مسبّبات أخرى.
 
[يي تشنغ ليان، معلّق في شؤون هونغ كونغ والشؤون الآسيوية، وأستاذ علوم الاقتصاد بجامعة ياماناشي جاكوين في اليابان، وكاتب رأي مشارك]
 
The New York Times