الإعلام عندنا .. الإعلام عندهم !

العراق 2020/03/09
...

زيد الحلّي
في دول العالم المتحضر ، توجد جهات متخصصة ، مهمتها الاطلاع على ما يُنشر في وسائل الاعلام يوميا ، لاسيما في الصحف، وحصر الملاحظات التي تهم الرأي العام ، واخضاعها الى مناقشات علمية ، وحين تقتنع بما اشارت اليه وسائل الاعلام ، يتم رفع التوصيات الى الجهات العليا ،لاتخاذ الاجراءات التنفيذية اللازمة ، وقد اطلعتُ شخصيا ، اثناء دراستي في معهد التضامن للصحافة في المجر في ثمانينيات القرن المنصرم  على حالة اشارت اليها صحيفة  «نيبزابادساغ» المجرية وتعني « الشعب الحر» تتعلق بظهور اخطاء هندسية في احد المباني الرئيسة في منطقة ( بودا ) في العاصمة « بودابوست « .. فلم يمر اسبوع واحد على النشر ، حتى اتت لجنة رئاسية الى المبنى الذي اشارت اليه الصحيفة ، وايدت فحوى الملاحظة ، ومن ثم بدأت المباشرة بمعالجة الاخطاء ، وتم ايداع المتسبب الى القضاء .
إن دور الاعلام مهنة ومنهجا، وهو كشف الحقيقة ونشرها، ونقل المعلومات حولها ، وهو يمثل جزءا من الحفاظ على البيئة الديمقراطية في الدولة والمجتمع، وفي الوقت نفسه يعكس صورة أوضاع الجمهور وحاجياتهم وردود أفعالهم ، الى صناع القرار ، فهل ما يجري في بلدنا ، يتماثل مع ما يحظى به الاعلام في الدول المتحضرة ؟ اقول جازما ، ان ديمقراطية الاعلام عندنا هواء في شبك ، رغم قيامه بأدوار مشهودة في نقل معاناة المواطنين بمختلف وسائل الاعلام الرسمية والخاصة .
انني ارى ان الحقيقة القائمة  الان في شارعنا الاعلامي  هي بين الواقع القائم ، والتنظير الذي نسمعه  ، وبين الأزمة والتفكير في حلها ، بين المعطيات ، والمنهج في قراءة المشكلة وإرجاعها لأسبابها ، هي بين الذات، والموضوع، بين المعاش، والتصور اللاحق لما يليه.. لقد نسى البعض ، ان الاقتران بين الواقع، والممارسة يدل  على القراءة المنطقية وإمكانية التطبيق، وإلا يكون الكلام عن  هذه المشكلة في جهة، والواقع في مكان آخر... فالانشطار الكبير في الرؤية بين الماضي التراثي للإعلام العراقي  ومكانته ، وكيف نتعامل معه ونقرأه  على حقيقته ، وبين الحاضر المُعاش الذي يفرض نفسه اليوم بون شاسع ، ومرير.  
ان التخبط والانهيار والتجاذب ، والصراعات التي تحيطنا وتسكننا ،   سيكون ضحيتها الاعلامي المتمرس ، لاسيما الجيل الجديد من خريجي كليات الاعلام في الجامعات .. فهل انتبهنا الى ذلك ؟ لا اظن ، رغم ان الاعلامي العراقي امتلك عدسة قادرة على التقاط الجوانب القابعة في دهاليز الحياة والتي تخفي وراءها الكثير من المعاناة او الجمال، من اجل ان يسقط عليها في كتاباته من حكم ودروس التاريخ ، ما يجعلها مرتبطة بالحاضر .. فالاعلام النبيل، صورة عن خلجات انسانية، وما الاعلامي (المبدع) إلا سبيكة مصنوعة من تلك الخلجات .. والاعلام ليس كلمات منمقة، بل هو تجربة حياة ، وتدفع بالمتابع في خضم لجتها ليعيشها مع الاعلام .. وهنا تكمن عظمة الاعلامي في كونه احد بناة المجتمع ..
من خلال متابعاتي ، لصفحات التقارير المحلية والشكاوى في الصحف ، وما تطرحه البرامج اليومية  المباشرة مع المواطنين من خلال التلفزيون ، لم اجد لها صدى او متابعة من الجهات المسؤولية ، إلا بقدر ضئيل لا يمكن التعويل عليه ، بالرغم من وجود آلاف من موظفي المتابعة والعلاقات والاعلام في الوزارات والدوائر الفرعية .. فإلى من يعنيهم الامر ، ادعو للاهتمام بما يتناوله الاعلام  من قضايا مجتمعية ، ففي ذلك خدمة للوطن ومستقبله . 
في دول العالم المتحضر ، توجد جهات متخصصة ، مهمتها الاطلاع على ما يُنشر في وسائل الاعلام يوميا ، لاسيما في الصحف، وحصر الملاحظات التي تهم الرأي العام ، واخضاعها الى مناقشات علمية ،