حكومة تصريف الأمور اليومية

العراق 2020/03/09
...

القاضي ناصر عمران الموسوي
القوانين هي تعليمات الكائنات البشرية، وصفة الوضعية المقترنة بها، هي الرؤية التي تعد القانون بناءً اجتماعيا ولاشك ان الهرمية القانونية (الدستور) هي منظومة البنى القانونية الوضعية التي تستند اليها القوانين لتكتسب مشروعيتها القانونية والتنفيذية بوصفها ملزمة، وبالتأكيد ان الوقائع متجددة متغيرة ومتطورة والقوانين الوضعية عاجزة عن الإحاطة بكل تفاصيل الوقائع المنظمة لها لذلك يكون المران الواقعي التطبيقي هو المقياس على تنظيم وحكم الواقعة  قانونا ،ومن خلال التطورات الكبيرة التي شهدها العراق اتضح قصور الكثير من التشريعات والقوانين امام فرضيات الوقائع المستجدة والتي كانت بعيدة عن لحاظ المشرع الدستوري والقانوني 
وحكومة تصريف الامور اليومية واحدة من اشكاليات الواقع المفترض والتي لم تأت بمفردها كواقعة وانما رافقتها وقائع قانونية فموضوعة الاستقالة الاختيارية لرئيس الوزراء وحكومته لم تكن حاضرة ابان كتابة الدستور العراقي ومن ثم صياغته القانونية وعرضه على الشعب لاستفتاء رأيه الذي انتج موافقته  على وصف دستور 2005 هو اول دستور من انتاجية شعبية بعد ان تم التصويت عليه.
لقد نصت  المادة (64): أولاً:- يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية، ولا يجوز حل المجلس أثناء مدة استجواب رئيس مجلس الوزراء. ثانياً:- يدعو رئيس الجمهورية، عند حل مجلس النواب، إلى انتخاباتٍ عامة في البلاد خلال مدةٍ أقصاها ستون يوماً من تاريخ الحل، ويعد مجلس الوزراء في هذه الحالة مُستقيلاً، ويواصل تصريف الأمور اليومية . 
وهذه الحالة هي الاستقالة القانونية لمجلس الوزراء اما المادة (76): فتنص على آليات اختيار رئيس الوزراء بعد الانتخابات إذ تنص فقراتها : أولاً:- يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية. ثانياً:- يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف، تسمية أعضاء وزارته، خلال مدةٍ أقصاها ثلاثون يوماً عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة، خلال المدة المنصوص عليها في البند ” ثانياً ” من هذه المادة.
رابعاً:- يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلق. خامساً:- يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال خمسة عشر يوماً، في حالة عدم نيل الوزارة الثقة. وفي حالة خلو منصب رئيس الوزراء  يقوم رئيس الجمهورية، مقام رئيس مجلس الوزراء .ثانياً:- عند تحقق الحالة المنصوص عليها في البند   ” أولاً ” من هذه المادة، يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال مدةٍ لا تزيد على خمسة عشر يوماً، ووفقاً لأحكام المادة(76) من هذا الدستور. 
ان الدستور العراقي حدد فترة زمنية لعمر البرلمان مدتها اربع سنوات لكنه لم يحدد فترة زمنية لعمر الحكومة التي تسير قدما في تسيير الاعمال من انتهاء عمر البرلمان وحتى تشكيل برلمان جديد وهو المسار الطبيعي دستوريا لحياة الحكومة في النظام البرلماني لكن طبيعة الحياة تختلف فبعد نهاية عمر البرلمان المحددة دستوريا تدخل الحكومة في مرحلة عمرية جديدة تسمى في المفهوم الدستورية مرحلة تصريف الامور اليومية وهي مرحلة تختلف فيها صلاحيات الحكومة في تسيير الاعمال المكلفة بها وهي مرحلتها الاعتيادية وهناك مرحلة  اخرى تطرق اليها الدستور العراقي واعتبر فيها الحكومة، حكومة تصريف اعمال وهي حالة اعتبار الوزارة مستقيلة في حالة سحب الثقة من رئيس الوزراء ومنحها هنا فترة عمرية مدتها لا تزيد عن ثلاثين يوما الى حين تأليف مجلس وزراء جديد حسب المادة (61 / ثامنا ً ج _د ) والمادة (64 /ثانيا ً) والتي اعتبرت مجلس الوزراء مستقيلا  ويواصل تصريف الامور اليومية.
ان  مفهوم حكومة تصريف الأعمال جاء لسببين :  الأول، ذو طبيعة إدارية / تنظيمية تتعلق بضرورة استمرار عمل المرافق العامة والذي يجد نفسه في كنف الراي الفرنسي وفي نظرية استمرارية عمل المرفق العام التي خرجت من  مجلس الدولة الفرنسي  والثاني، ذو طبيعة دستورية / سياسية تتعلق بانعدام المسؤولية السياسية للحكومة، أي فقدانها ثقة البرلمان؛ فالأصل في النظام البرلماني أن الحكومة لا تكون مختصة بمباشرة صلاحياتها إلا عندما تتمتع بثقة البرلمان وتكون مسؤولة أمامه وتخضع لرقابته. 
ولكن على الحكومة ـ بغض النظر عن وضعها القانوني  _ تأمين استمرار عمل مؤسسات الدولة وانطلاقاً من هذين السببين فإن أساس وجود حكومة تصريف الأعمال قائم على التوفيق بين مبدأين: مبدأ استمرارية الدولة بهدف استمرار الحياة العامة، ومبدأ المساءلة البرلمانية للحكومة عن سياستها العامة. لذلك فان هذا التحول ليس مجرد تحول في التسمية، وإنما هو تحول أو تغيير في نطاق الصلاحيات أيضاً؛ إذ اصبح صلاحيات "حكومة تصريف الأعمال" محددة بتصريف الأعمال العادية أو الجارية والتي هي : "تلك الأعمال التي لا تعرض مسؤولية الوزارة مجتمعة أو الوزير المعني إلى نتائج سياسية لأن الحكومة أو الوزارة تحكم بثقة الشعب الممثل بالبرلمان والحكومة المستقيلة تكون فاقدة لثقة البرلمان ما يجعلها غير قادرة وغير ذات صلاحية دستورية لتتخذ قرارات سياسية". وان الحكومة المستقلة او المنتهية الصلاحية الدستورية لا تستطيع ان تتقدم بمشروع لتعديل الدستور، نظرا لما يتضمنه هذا التعديل من اتجاه سياسي. واذا كانت الحكومة عاجزة عن تقديم مشروع لتعديل الدستور فإنها لا تستطيع كقاعدة عامه كذلك  ان تتقدم بمشروع قانون تجاه البرلمان وهناك حالات اخرى لحكومة تصريف الاعمال ادخلت الرؤى الفقهية في اختلافات وهي حالة استقالة الحكومة وحل البرلمان وهي حالات استثنائية في المسار الطبيعي لعمر البرلمان والحكومة  فالأصل ان الحكومة في النظام البرلماني تقدم استقالتها عند فقدانها لثقة البرلمان، كما انها تقدم استقالتها عند انتهاء الفصل التشريعي. ويحدد نطاق الاختصاصات التي يحق لها دستوريا مباشرتها اذ يجب ان تحصر هذه الاختصاصات بتصريف المسائل الجارية ، او تلك التي تفرضها حالة الاستعجال او طبيعة الظروف الاستثنائية التي تمر بها الدولة .وتجدر الاشارة الى ان نظرية تصريف المسائل الجارية لا تجد تطبيقاً لها الا في حالة استقالة الحكومة بالكامل . 
ويترتب على ذلك ان استقالة وزير او وزراء عدة من الحكومة لا تؤدي الى تكليفهم بتصريف الامور، ذلك لأنه اما ان يتم تعيين بدلاء لهم في الحقائب الوزارية الشاغرة، او ان يكلف احد الوزراء الباقين في الحكومة بمهام الوزير المستقيل عن طريق الانابة والى حين تعيين الوزير او الوزراء الجدد ،وبعد تقديم السيد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي استقالته وفشل المكلف بتشكيل الحكومة  السيد محمد توفيق علاوي بتمرير كابينته الوزارية  فان حكومة تصريف الامور اليومية هي الحاضرة في ادارة مرافق الدولة لحين تشكيل الحكومة الجديدة لكنها بصلاحيات محددة ومقيدة جداً ولعل عبارة تصريف الامور اليومية  الوارد في الدستور هو وصف حقيقي لطبيعة هذه الحكومة.