النظرية والتطبيق!

الصفحة الاخيرة 2020/03/10
...

حسن العاني 
 
منذ وقت مبكر من حياة البشرية، عندما بدأ الوعي الانساني يُعلن عن حضوره في شتى المناحي الحياتية، ظهر مصطلح (التنظير) مقابل مصطلح (التطبيق) والفرق بينهما، ان الاول، أي التنظير او النظرية، يراد به ذلك الكلام الذي يتسم بالقدرة على تذليل اعتى المصاعب او تجاوزها او عدم تقدير حجمها بصورة صحيحة، ولذلك يوصف الشخص (المنظّر) بأنه من يجعل المستحيل ممكناً، لكونه في العادة يمتلك ذهناً واساليب في التفكير اقرب ما تكون الى الاماني والخيال الخصب والمثالية، بينما يتم النظر الى (التطبيق) على إنه (فعل) عسير محاط بالعراقيل والمنغصات، ويقتضي المراجعة والتدقيق والتأمل الواقعي، وهو قريب من الممكنات العملية، بعيد عن المستحيلات الخيالية، وبأختصار شديد فأنه فن الحياة وايقاعها الحي...
هل جربتم كما جربتُ، حجم ونوع الاحاديث العاطفية والتعابير المبتكرة التي القيناها على مسامع حبيباتنا، وسمعنا بالمقابل منهن قبل الوصول الى القاضي وفرحة توقيعه، وقبل الوصول الى "ايام العسل" وغرفة النوم والاسرّة العريضة، ثم كم بقي من مفردات الغزل وعذوبة الهمس بعد الزواج على الرغم من ان "الايام" لم تنصرم، ومازلت طافحة بالعسل، ولكنه بات مرّ المذاق والطعم، الى الحد الذي يلعن بعضنا البعض، ويلعن الساعة التي طرق فيها باب المحكمة الشرعية وقال "موافق وقالت "موافقة" .. و.. ولا شيء من وشوشات الليل والصعود الى منازل النجوم والسفر الى كوخ الحب في غابة نائية لا يسكنها إنس ولا جان.. لا شيء قد صمد امام الخلافات الزوجية التي تقصم ظهر العشق، ليس بدءاً من ضغوط الاحتياجات المعيشية، وليس انتهاء بتباين الطباع، وبالتالي لا شيء من الرجل باخلاق الفرسان، ولا شيء من المرأة بمواصفات الاميرات قد بقي امام مواجهة الحياة المكشوفة من غير تنظير ولا احلام ولا دغدغات ناعمة!!
هل جربتم حجم الوعود الكبيرة ونخوات الاصدقاء والاقارب ومسك الشوارب وضرب الصدور وعهود الوفاء.. ان ظهورنا (مسنودة) وقلوبنا مطمئنة، ولكن ضائقة مالية طارئة او محنة حياتية ليست بالحسبان تعصف بي او بك، فتمّد بصرك الى يدٍ منهم تقدم العون – وهي على ميسرة – فلا تأتيك غير حفنة من الاعذار، ولا تحصد الا قبض ريح – ولكل قاعدة استثناء – أما القاعدة الثابتة فحفنة تنظيرات وانتخاءات وشوارب وصدور واسف على اسف، وفي خاتمة المطاف لا تجد من يحمي ظهرك ويكفيك الحاجة سوى نفسك.. أنت وحيد في خضم الازمة!!
هل جربتم كما جربتُ كم يمكن ان نتحدث عن الديمقراطية واصلها وفصلها واننا ننحدر من احسابها وانسابها، وكم نستطيع التنظير حول الرأي والرأي الاخر وحرية التعبير، وحين تبدأ لحظة التطبيق – ونحن نتبوأ كرسي وزير او مقعد نائب او مكتب وكيل او مدير عام – نشتم الديمقراطية الى سابع ظهر ... إنها حلوة مثل ملكة جمال المانية ندعو لها بالعافية وطول العمر ونتمنى لو عقدنا القران عليها، حتى اذا اصبحت بين ايدينا، قلبنا لها ظهر المجن، وبدأنا نراها اقبح من أمَةٍ سوداء، لأنها حقاً كذلك عند التطبيق، يوم رفعنا عن وجهها البرقع!!