الدين والقانون أبرز مرجعيتين في ضبط سلوكنا العملي، وهما يلتقيان اليوم حدّ التطابق التامّ في مواجهة مخاطر كورونا، والحدّ من انتشاره الوبائي سواء جاء هذا التطابق عبر التوافق بين فتوى الفقيه ورأي القانون مباشرة، أو من خلال التكامل بين الحكم وموضوعه.
العالم برمته يفيض بأمثلة وشواهد على وحدة الموقف، ففي بيت الله الحرام أُغلق الحرم المكي، وتوقف الطواف ومُنعت العمرة للقادمين إلى مكة المكرّمة، ثمّ للمواطنين والمقيمين، ولم يقل أحد أن هذا إجراء موجّه ضدّ الله سبحانه! كذلك أُغلق المرقد النبوي الشريف، وخضع الدخول إلى المدينة المنوّرة لقواعد تنظيمية احترازية، ولم يقرأ أحد في هذه الضوابط، تقليلاً من شأن عظيم المدينة نبينا صلى الله عليه وآله، أو انتقاصاً من شأن مسجده.
إجراءات كان لها ما يوازيها في حاضرة الفاتيكان؛ حيث أُغلقت الكنائس، وعُطلت صلوات الأحد والقدّاسات، وحُجب البابا عن الاختلاط مع الناس، قبل أن تتحوّل هذه الإجراءات إلى سياسة عامة، في أغلب الكنائس ودور العبادة في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا وألمانيا وأميركا وغيرها كثير من بلدان العالم، دون أن يشعر أحد أن في هذه الخطوات الاحترازية، تحدّياً للإيمان أو تقليلاً من شأن المؤمنين!
بالانتقال إلى إيران التي لا تزال تعيش تفشياً متواصلاً للفايروس المعدي، فقد جاء في آخر الإجراءات الاحترازية، امتناع المرشد السيد علي خامنئي، من إلقاء خطابه السنوي المعتاد في حرم الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، وذلك لأوّل مرّة منذ ثلاثة عقود، حيث كان من دأب المرشد التوجّه بخطاب مفتوح إلى الناس، ضمن مراسم السنة الفارسية الجديدة. وقد جاء هذا القرار استكمالاً لخطوات جريئة جداً، في تعطيل صلاة الجمعة في بعض المدن الكبرى، ثمّ في جميع مراكز محافظات إيران، وتعطيل صلوات الجمعة والتجمّعات الدينية في المساجد والحسينيات؛ وقد فعلت إيران كلّ ذلك بتطابق مطلق بين الرأي الفقهي والقانوني، أو بين الفقهاء والدولة، دون أن ينبس أحد بأن الجمهورية الإسلامية تقود حملة ضدّ الشعائر والمقدّسات! حصل الأمر نفسه في المراقد الدينية بمصر ومساجدها الكبرى ومزاراتها المزدحمة، كما في مساجد الجزائر والمغرب وتونس وزواياها الممتدّة بالآلاف، العامرة يومياً بالمصلين والزائرين وأشياع الطرق الصوفية، ولم تحصل هناك ضجّة حول هذه الإجراءات الرادعة للفايروس الوبيء! عندما نصل إلى بلدنا نلمس الإجراءات نفسها وقد انطلقت من حاضرة النجف الأشرف، حين عطلت المرجعية صلاة الجمعة الكربلائية، بعد أن رأت المؤسّسات الحكومية المختصّة المصلحة في ذلك، والمرجعية تفتي بشرعية كلّ ما تأخذه الحكومة والأجهزة المختصّة، من إجراءات لحماية الناس وتحصينهم من الأضرار والمخاطر. ليس هذا وحده، بل تكثفت الفتاوى الفقهية التي ينبغي أن تجيء رادعة، لحالات عدم المبالاة التي يمارسها البعض، ويلوّث بالعدوى بيئة العمل والجوّ الاجتماعي، على تمييز دقيق بين الحالات؛ فلو تعمّد أحدهم نقل العدوى، وأدى ذلك إلى موت من انتقلت إليه ولو بعد مدّة من الزمن، جاز القصاص من ناقل العدوى، إذا كان ملتفتاً في حينه إلى كونه موجباً للهلاك عادة. وأما لو كان جاهلاً بذلك أو غافلاً عنه، فعليه الدية والكفارة، وإذا لم تؤدّ العدوى إلى الموت، فعلى المعدي الضمان وتكلف دفع أجور المستشفى والعلاج، كما تنص الفتاوى. صدرت للآن تعليمات محدّدة عن لجنة الأمر الديواني رقم (55) في بيانين مهمين، كلها واجبة الطاعة والتنفيذ والإتباع، باتفاق كلمة المرجعيتين الدينية والقانونية، وما من ضمانة لعبور الأزمة وحمايتنا من أضرارها، أكبر من الفقه والقانون؛ واجتماع كلمة الله
والإنسان!