الحجر المنزلي

الصفحة الاخيرة 2020/03/29
...

عبدالهادي مهودر
 
حادثة الشاب البصري الذي اعتقل لتهديده المفرزة الطبيَّة وامتناعه عن تسليم أحد أفراد أسرته المصابة بفيروس كورونا تمثل حالة انفعال لا إراديَّة تطورت الى تهديدٍ لفظي ثم الى اعتقال وتشهير حتى ظننا أنَّ الشرطة ألقت القبض على فيروس كورونا، وهذه الحادثة تسلط الضوء على نظرة المجتمع للحجر الصحي، فهذا الإجراء جديدٌ على مجتمعنا وبحاجة ليس فقط الى توعية وإنما الى تفهم أسباب الممانعة أولاً، والعمل ثانياً على تسهيل وتشجيع عمليَّة الحجر الذاتي والطوعي (المنزلي)، وإذا أردت أنْ تطاع فأمر بالمستطاع، فهناك العديد من الموانع والاعتبارات التي يجب الإصغاء لها فليس سهلاً تسليم أحد أفراد الأسرة للحجر عليه خاصة إذا كان المصاب بالفيروس هو الأب أو الأم أو الابن والبنت، ولنضع أنفسنا في هذا الموقف الصعب، فإذا كان العزل أو الحجر الصحي المنزلي يحقق هدف منع انتشار الوباء بين أفراد الأسرة والمجتمع، فليس على وزارة الصحة وفرقها ومفارزها الطبيَّة إلا القبول واشتراط التحقق من تنفيذ عملية الحجر داخل البيوت ومطابقته لمواصفات الحجر الفعال مع توعية الأسرة بكيفيَّة التعامل مع المصاب أو المصابة وعدم الاقتراب والملامسة وإخضاع المصاب وأسرته للفحص من قبل الفرق الطبيَّة كلما اقتضت الضرورة وغير ذلك من الإرشادات التي تحقق الغرض من الحجر، والى حين انتهاء فترة احتضان الفيروس والتأكد التام من التعافي وزوال الخطر.
إنَّ مختلف شعوب العالم حظرت حكوماتها التجوال ولكن حتى هذا الإجراء الوقائي الضروري يواجهُ بخروقات وتمردٍ عن جهلٍ أو بمبررات عديدة، واضطرت السلطات الى فرضه بالقوة والغرامات الماليَّة كما في فرنسا وإيطاليا أو بالحواجز الكونكريتيَّة وعزل الأسواق والمناطق كما حصل في جانب الرصافة ومناطق أخرى، أما الحجر فيمكن تخيير أسرة المصاب خاصة إذا كانت متمكنة من إيجاد ظروف عزلٍ صحيحة ومناسبة يجنبها أي حرج أو ضغط اجتماعي، على الرغم من كون الحجر ليس عيباً، وإنما وقاية ووعيٌ وحرصٌ على سلامة الشخص والمجتمع، ولذلك تعالت المطالبات بمحاسبة ذلك الشاب وولدت عملية اعتقاله ارتياحاً وأشرت رغبة مجتمعيَّة بتطبيق القانون وتشديد الإجراءات.
إنَّ كثيراً من المصابين اختاروا الحجر المنزلي الطوعي ومنهم أمراء ورؤساء حكومات وأعلنوا ذلك أمام العالم أجمع، ولمن يريد حجر نفسه داخل بيته الحق في اختيار الحجر المنزلي.. وفي حال تزايدت حالات الإصابة لا قدر الله سيصبح شعارنا (خليك بالغرفة) بدل (خليك بالبيت).