يغيب عن ذهن الكثير من الآباء والأجداد انهم مرصودون ومراقبون بدقة، ولكنْ ليس من أجهزة أمنيّة، وانما مِنْ قِبَلِ أولادِهم وأحفادِهم الذين يُمطرونهم بوابلٍ من النظرات التي تحصي عليهم حركاتهم ..!!
- 2 -
أما الرصد الالهي الذي لا يغادِرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها فذلك مالا يحسب حسابَه الاّ الابرار المتقون، وقليل ما هم..!!
- 3 -
وقد قرأت خبراً طريفاً حملني على كتابة هذه السطور :
يقول الخبر :
سأل أحدُهم جَدَّهُ قائلاً :
لماذا تضع نقودك في القرآن ؟
ويبدو انّ الرجل الكبير كان قد اعتاد على وضع الأوراق النقدية بيْنَ أوراقِ المصحف الشريف الموجود في البيت ..!!
-وهذا يؤكد ما قلناه قبل قليل مِنْ أنَّ الصغار يُتابعون الكِبار من حيث لا يشعرون – فقال له الجدّ :
نعم
اني أضعُ الأوراقَ النقدية في المصحف الشريف لأني أعلم انكم لا تصلون اليها ..!!
- 4 -
في جواب الجَدّ لِحَفيدِهِ اشارة واضحة الى ضَعْف العلاقة بين معظمِ ابناء الجيل وبين كتاب الله العزيز، فهم بعيدون عنه كل البعد ، وهذا البعد عن القرآن أوقعهم في شبكة من المردودات السلبية ابتداءً بهشاشة أوضاعهم الروحية وانتهاءً بضعف بُنيتهم اللغوية – التي ينعكس عليها إدمان قراءة القرآن الكريم
- 5 -
ماأجمل ما يمكن أنْ يلتزم به المُرّبون – آباءً واساتذةً – من تشويق الناشئة للاقبال على القرآن، والافادة من منهجه وحِكَمِهِ ومواعظه البليغة، الكفيلة بتقويم المسارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فضلاً عن تهذيب النفس وشحنها بمقومات الاستقامة على خط الطاعة لله والبعد عن الارتطام بمعاصيه ونوهيه .
- 6 -
قيل :
انّ رجلاً جاء الى الرسول الاعظم (ص) وقال له :
اقرأْ عليّ شيئا مِنَ القرآن
فقرأ له (ص) قوله تعالى :
{ فمن يعملْ مثقالَ ذرةٍ خيراً يَرَه ، ومَنْ يعملْ مثقالَ ذَرةٍ شراً يره }
الزلزلة /7 -8
فقال الرجل :
حسبي حسبي ...
انّ هاتين الآيتين الكريمتين على اختصارهما قدّمتا للسائل – وتفدّمان لكل واحد منا صغاراً وكباراً – خارطةَ طريقٍ تتصل اتصالا مباشراً بسلوكنا وممارساتنا كلها، ابتدءً بممارساتنا مع النفس والأهل والأقرباء والأصدقاء وانتهاء الى البعيدين من الناس .
انّ ميزان العدل الالهي لن يُسقط من الحساب ذرةً من عمل صالح ...
كما انه بالمقابل لن يسقط من الحساب ذرة من شرّ
وهكذا يجب ان يكون الانضباط في الأقوال والأعمال ،
وأنْ ينشط الانسان في مضمار النفع الانساني والاجتماعي ليغنم مثوبات الله العظيمة التي تُفضي به الى الخلود في الجنّة .
- 7 -
كان الصافي النجفي يقول :
اذا رمتُ تحليقاً الى العالم الثاني
تخذتُ جناحَ النفسِ آيةَ قُرآنِ
فهو يطير الى الآفاق العلوية بجناح آية من القرآن الكريم .
- 8 -
انّ من أهم مقوّمات الاستقامة والاعتدال أنْ نعرض أعمالنا على القرآن الكريم فما وافقه أخذناه، وما خالفه نبذناه وتركناه .
- 9 -
وهذا لا يكون حين نبتعد عن مناهله ، وانما يكون عبر الورود اليها والتواجد على ضفافها ...
نسأله تعالى أنْ يوفقنا واياكم لان نكون
من الروّاد لتلك المناهل القرآنية الصافية، والعاملين وفق منطوقها الحكيم، انه سميع الدعاء .