أدباء عراقيون يكملون مشاريعهم المؤجّلة

ثقافة 2020/03/30
...

  البصرة/ صفاء ذياب
 

مثلما فتك فيروس كورونا بمئات الآلاف على مستوى العالم، وأجبر الناس على الجلوس في بيوتهم منذ أكثر من شهر، غير أنّه في الوقت نفسه دفع الكثير للتقرب من أسرهم أكثر، لاسيّما في العراق، هذا البلد الذي ما زال حتى هذه اللحظة متماسكاً اجتماعياً وصحياً.
فلم تصل الحالات المصابة إلّا بضع مئات، وذلك لأسباب عدّة، من أهمها الوعي المجتمعي الذي جعل المواطنين يبتعدون عن التجمعات، ودعوتهم الدائمة للبقاء في المنازل حفاظاً على حياة الآخرين.لهذه الدعوة إيجابيات عدّة، ففضلاً عن الحفاظ على صحة الناس بشكل عام، فقد أعطت الأدباءَ العراقيين الذين لم يجدوا وقتاً كافياً لإنجاز أعمالهم الإبداعية الوقت كلّه للعمل على ما كان متوقفاً منذ شهور إنْ لم يكن منذ سنوات، وهو ما أكدّه عدد من هؤلاء الأدباء:
 
سنوات مسروقة
الشاعر علي نوير يقول إنّه جعل من هذا الحظر مناسبة لإعادة النظر بما تحت يديه الآن من كتب شعرية مخطوطة، وعددها خمسة كتب، تعديلاً وإضافةً وحذفاً، متوخّياً في ذلك وحدة الموضوع والشكل لتصبح جاهزة للطبع والنشر تباعاً حالما تسمح الظروف. و"تهيّأت لي الفرصة كذلك لقراءة بعض الكتب والعديد من المقالات والدراسات، ورقياً ورقمياً، فضلاً عمّا ينشره الأصدقاء من قصائد ومقالات وآراء في صفحاتهم الألكترونية الخاصة ".
ويضيف نويّر: وجدت أيضاً في مشاهدة عدد من الأفلام العالمية متعة لا تُقاوَم. ولكن عليّ أن أعترف هنا أنّ عدد الكتب المؤجّلة قراءتها في مكتبتي الخاصة وما خزنته حافظتي الألكترونية لا يسعها إلّا حياة أخرى كاملة. وكلّما أنظر إلى عناوين هذه الكتب أشعر بحجم الخسارة التي تعرّضت لها في مطلع شبابي. سنوات ضائعة، سنوات الحروب والحصار تلك، ربّما ما زالت آثارها تلوح هناك في السواتر والمواضع المتروكة عند الحدود وفوق أرصفة الوطن، سنوات مسروقة، كان كلّ همّنا فيها هو كيف نتفادى الرصاص الطائش والألغام والجوع وسوط الحاكم. والآن، في الوقت الذي ربحنا فيه جزءاً يسيراً من سلامنا الداخلي ومن عافية الكتابة آمل ألّا نخسر الوطن. وها أنذا أراني الآن أمام استحقاقات كثيرة، ابتداءً من أوّل كتابٍ أجُلت قراءته منذ سنوات إلى آخر قصيدة 
في البال لم أكتبها بعد.
 
مزاج الكتابة
وبحسب الروائي سعد سعيد، فإنّه أمرٌ طبيعي أن يفكّر المرء حين يضطر للبقاء في البيت بإنهاء كلّ الأعمال المتأخّرة التي أراد ذات يوم أن ينهيها، ولكنه تركها لكسل أو انشغال، وخاصّة فيما يتعلّق بالأعمال الكتابية، وهكذا استغللت هذا الحجر الذي فرض علينا في تهيئة رواية للطبعة الثانية، وأنا في سبيلي لإضافة بعض الإضافات للرواية التي هيأتها للنشر في بداية السنة المقبلة، عسى أن استطيع العودة إلى روايتي غير المكتملة برغم شكّي بأنّني سأستطيع ذلك لأنّ الاضطرار إلى البقاء في البيت يورث الملل، وهذا الملل يتعارض مع مزاج الكتابة الذي لا يتوفّر إلّا وفق شروط خاصة به لا علاقة لنا بها، وكما يعرف الجميع فإنّ الكتابة بلا مزاج لا يمكن أن تنتج أدباً حقيقياً. ومع ذلك لا أستطيع أن أجزم بأنّني لن أمتلك المزاج فجأة فأجد نفسي منغمراً مرّة أخرى في ذلك التعب اللذيذ الذي اسمه كتابة رواية.
 
العلاج بالقراءة
ولدى الشاعرة والقاصة سمرقند الجابري جدول رصين للكتابة كما خطّطت له قبل الحظر، "تصوّرتُ أنّي فعلاً سأكمل المجموعة القصصية التي بدأتُ بها قبل عام، وتوقّفت، أو إنّي سأجمع القصائد التي أردت لها أن تكون (مجموعتي الثالثة) كل ما كنت أفعله غالباً، الكتابة باللغة الدارجة، عن ذكرياتي كطفلة وكفتاة وسط بيئة بغدادية، مقالات يومية أنشرها في الفيس بوك".
وتستمر الجابري في حديثها: أعيش مرحلة تخدير ذهني لأتحوّل من كاتبة إلى "ربّة بيت" تريد لبيتها أنْ يعبر الطوفان لا غير، كلّما أرجع لدفتر مذكراتي، أطلق شتيمة صغيرة لكل هذا الكسل، دلّلت نفسي بسماع الموسيقى واستكمال دروس ورشة الكتابة التي أعطيها لبنات صديقاتي عن طريق "الواتس آب " شاغلي الأكثر قرباً لي من كل تلك الفوضى ورشة "العلاج بالقراءة" التي انضممت إليها قبل شهر وتتضمن قراءة روايات بصيغة PDF نتفق عليها، ونشاهد فيلماً سينمائياً لتلك الروايات لنتواصل بعرض آرائنا على برنامج "السكايب" إنّه مستأجر بهموم أخرى، ذلك الذهن الذي كان عليه انقاذي.
 
فرصة ثقافية
أمّا الناقد إسماعيل إبراهيم عبد، فقد تساءل مع نفسه: ما الذي يبقى لي بعد كورونا؟ لكن جوابه كان: مؤلفاتي ومكتبتي. لذا، "قررت إنجاز أصعب الواجبات على نفسي وهو تنظيم المكتبة من جديد على أساس التصنيف الذي أعرفه, أي بحسب النوع, والأهمية, والحاجة القرائية. عزلت الكتب الحديثة المهداة إليّ, ثم وضعت برنامجاً للقراءة. ثم تقصّيت شؤون كتابي الذي سيصدر هذا العام عن (الانتهاك التقني واستعاراته الكثيرة في الرواية). وعندما تجدّد الحظر قرّرت إجراء الخطوة الثانية، وهي مراجعة كتبي الصادرة سابقاً وبدأت بكتابين, أنا الآن في المرحلة الأخيرة للكتاب الثاني. وقد يتمدّد الحظر لأُسبوعين آخرين, وهو وقت يكفيني لأُهيّئ كتابي الثالث وأرسله للنشر. من ناحية أخرى ارتبط عملي بقدرة الحاسبة على الإنجاز، لذا قمت بتقليل المخزونات الثقافية من كتب ومقالات, فتخلّصت من الملفات غير المرغوب بها, وسأبدأ لاحقاً بكتابي الرابع عن القصة البيئة في العراق.
 
أفق ضيّق
ويرى القاص نبيل جميل أنّ هذه العزلة فرصة لاستثمار الوقت، صحيح أنّ الألم والحزن لا يفارق الذهن، في أثناء التجوّل بين الفضائيات ومواقع النت، لكن ما باليد حيلة تجاه ما يحصل، سوى الالتزام بتنفيذ أمر الحظر، في اليوم الأول شعرت بالملل واشتقت للخروج، فقد اتخمت بأخبار الفيروس، لذا قرّرت إغلاق التلفزيون والتوجّه إلى المكتبة، شعرت بسعادة، فهنيئاً لي قلتها لاستثمار الوقت.
"قسّمت ساعات النهار للقراءة والليل للكتابة، قرأت عشر روايات وخمس مجموعات قصصية، راجعت مخطوطة كتاب في القراءات الانطباعية لكنني لم أقتنع به فأرجأته إلى زمن آخر، لم أخرج سوى مرتين للصيدلية والسوق القريب، أذهلني منظر الشوارع الفارغة، ضاق بي الأفق وراودتني أسئلة حول الوجود، تمتمت مع نفسي: إنّه ثأر الطبيعة على الإنسان. ربّما، فكّرت بثقب الأوزون ثم تذكّرت الحديث النبوي: اطلب العلم ولو في الصين. إنّها رحلة الغذاء الفكري من أجل صحة الدماغ، هكذا سمّيت العطلة الإجبارية، لستُأنانياً ولا أهتم بموت الآخرين، لكنني وجدتها فرصة لإنجاز مجموعة
قصصية.