كنت أجمع بقايا الخبز بعد فطور الصباح وأذهب إلى بحيرة قريبة من مقر إقامتي في هولندا، فتتجمع طيور النوارس وبطات البحيرة والعصافير وهم يتقاتلون من أجل الاستحواذ على الأكثر من بقايا الخبز. وأحاول جهدي أنْ أكون عادلاً بينهم.
وفي يومٍ ما بينما كنت أطعم الطيور المائيَّة والهوائيَّة سمعت صوتاً يصرخ: "توقف توقف لا ترم مزيداً من الخبز" التفتُ نحو الصوت فشاهدت شخصاً يركض باتجاهي وأخذني نحو ساحل البحيرة من الجانب المقابل لي ونزلنا قرب الساحل وأشار لي نحو بطة عمياء قال إنَّها لا تحصل على نصيبها من خبز الناس الذين يطعمون الطيور. فلنطعمها.
في بحيرة أخرى قريبة، كان ثمة معبر، والمعبر هو خشبي على عوامات صغيرة عائمة كنا نجتازه لاختصار المسافة نحو السوبر ماركت.. جئت في ذلك اليوم فوجدت المعبر مغلقاً، وثمة لافتة من البلدية مكتوبٌ عليها "لا تزعجوا البجعة فلقد أنجبت صغاراً" وزوجها يحميها ويجلب لها ولصغارها الطعام. تطلعت إلى المشهد الجميل عن بعد ولم أقترب من المعبر وسلكت طريقاً آخر للوصول إلى السوبر ماركت.
يجتاحُ العالم اليوم فيروس "كورونا" ويسمونه "الجائحة" أي المصيبة أو الكارثة، والجائحة أيضاً كناية عن انحسار رأس مال الأفراد وإفلاسهم وإفلاس الشركات والمصارف. هي ضائقة اقتصاديَّة سوف تُنزلُ البلاءَ على البشريَّة أكثر بكثير من الأزمة الاقتصاديَّة التي ألمَّتْ بالعالم بعد الحرب العالميَّة الأولى وامتدت لتشمل الحرب العالميَّة الثانية.
جلست في حديقة الدار في حجر اختياري وإجباري، مطبقاً تعليمات هولندا في عدم التحرك وعدم مغادرة المنزل.. انتهزتها فرصة لعمل مونتاج المادة المصورة عن تاريخ العراق المصور لفيلم يحمل عنوان "تلك الأيام" وأعرف أنَّ الطيور جائعة ولم يعد ثمة من يطعمها في البحيرات، فرميت بقايا الخبز على أرض الحديقة، بينما الخبز صار نادراً وصرنا نحتفظ حتى بحرف رغيف الخبز، فنزلت الطيور من سياج الحديقة الصغيرة وشاهدتها تنقر بالخبز اليابس، فبللت الخبز بالماء كي تستطيع تناول العجين. لم تكتف الطيور بأني أطعمتها وغمست الخبز بالماء، بل رصدتني وأنا أغمس الخبزة بزيت الزيتون وأضع فيها حبة زيتون، فرصدتني الطيور كما الطيران المسير وانقضت على الخبزة التي في يدي وأخذتها وطارت تأكل فيها فوق سطح المنزل. ذكرني ذلك بفيلم الطيور للفريد هتشكوك. هذا ما حصل بسبب الجائحة الاقتصاديَّة!
العالم يقوم ويقعد وينام على الاقتصاد، فحيث الاقتصاد منتعش فإنَّ الإنسان يعيش في بحبوحة معقولة وحيث الاقتصاد متدهور يعيش الإنسان تحت حد الفقر أي في باحة الفاقة. وتلعب المصارف دوراً في العملية الاقتصاديَّة، فكيف نشأت فكرة المصارف ومن يقف وراءها وإلى أين وصلت بنا وأين وصلنا بها؟
كان ثمة صرافون في إيطاليا يجلسون خلف الطاولات في أسواق المدن الإيطاليَّة ويقومون ببيع وشراء العملات، حتى فكروا بأنْ يقوموا بتطوير عملهم ويؤسسوا المصارف بدلاً من العمل وراء الطاولات، فأطلق على المصرف اسم "بانكو" أي الطاولة بالإيطاليَّة وحين سرت فكرة المصارف إلى دولة الإغريق أطلقوا على المصرف اسم "ترابيزا" أي الطاولة بالاغريقية. في بداية تأسيس المصارف خاف الأثرياء من إيداع أموالهم في تلك المصارف لأنَّ الصرافين جميعهم من اليهود وخافوا أنْ يستحوذ اليهود على أموالهم فامتنعوا عن الإيداع وفضلوا إبقاء أموالهم وذهبهم في بيوتهم، ما حدا ذلك باليهود بأنْ يستأجروا بعض اللصوص للسطو على بيوت الأثرياء، فبات الأثرياء يخافون الاحتفاظ بأموالهم في بيوتهم فصاروا يودعونها في مصارف اليهود.. وحين انعقد مؤتمر بال – بازل في سويسرا بقيادة هرتزل لإقامة ما يسمى بالوطن القومي لليهود كان عمر السينما كصورة متحركة عامين فقط فأدرجت في توصيات المؤتمر ضرورة استثمار هذا الاختراع لصالح إقامة الوطن القومي لليهود فقامت المصارف اليهوديَّة بتمويل مشاريع السينما وأنشؤوا هوليوود مدينة للسينما.. منذ ذلك التاريخ أي في نهاية القرن التاسع عشر سيطر اليهود على الميديا والمال.. ولا يزالون يهيمنون على المال من خلال المصارف وكازينوهات القمار والملاعب الرياضية وبيع وارتفاع أسعار الأنتيك واللوحات لكبار الرسامين والبيوت القديمة والتاريخيَّة، كما سيطروا على صناعة السينما في هوليوود وصناديق دعم إنتاج الأفلام السينمائيَّة. فاستثمرت السيولة النقدية للمصارف لخدمة شعار الكنيست الإسرائيلي "دولتك يا إسرائيل تمتد من النيل إلى الفرات" وانتشر الموساد الإسرائيلي لتحقيق هذا الهدف في الصف الثقافي والإعلامي وله عقولٌ عبقريَّة ترسمُ هذه السياسة وتقومُ بتمويل السينمائيين الذين تصب أعمالهم حتى وإنْ كان ذلك بشكل غير مباشر في خدمة شعار الكنيست الإسرائيلي. وحتى يتحقق الشعار ونحن في منطقة الشرق الأوسط، ينبغي تفكيك ما يسمى بالوطن العربي وتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ. وتمويل أولئك الباحثين عن الشهرة الزائفة!.
في سياسة إسرائيل السينمائيَّة من خلال شركات الإنتاج الأميركيَّة، التمهيد لأية حادثة يخططون لها، فتقوم بإنتاج الأفلام السينمائيَّة، وعلى سبيل المثال حين أنتجوا فيلم "الرجل الذي رأى الغد" كان المقصود بذلك الفيلم العدوان على ليبيا معمر القذافي وهو فيلم يمهد الرأي العام الأميركي والعالمي لذلك العدوان، حتى وإنْ كان الفيلم لا يقترب لا من ليبيا ولا من معمر القذافي "وكانت شركة كانون الإسرائيلية تقف وراء إنتاج ذلك الفيلم". إنتاج الأفلام عن الهندي الأحمر في أميركا صاحب الأرض الأميركيَّة أسهمت السينما الأميركيَّة في تلاشي الهنود الحمر من الوجود. في عددٍ لا يحصى من الأفلام في تاريخ مدينة السينما، هوليوود!..
في العام 2011 أنتجت أميركا فيلم "كونتاكيون" أي (العدوى) من إنتاج شركة "وارنر بروذرز" الذي يتحدث عن مرض بطلة القصة "بيث" والتي أدته الممثلة "غوينيث بالترو" بعد مصافحتها لطباخ كان قد لامس خنزيراً انتقلت إليه العدوى من طائر الخفاش، فتعود لبلدها من رحلتها إلى هونغ كونغ، معتقدة أنها أصيبت بنزلة برد، بينما يتضح بأنها مصابة بفيروس "أم أي في 1" فتموت ويموت ابنها.. ويتنبأ الفيلم بأنَّ هذا الفيروس سوف يحصد ستة وعشرين مليوناً من نفوس البشر!