الوشم.. ظاهرة جماليَّة أم تقليدٌ أعمى

اسرة ومجتمع 2020/04/02
...

بغداد/ سرور العلي/ ذو الفقار يوسف
 
رسمت زينب قاسم على يدها اليمنى وشماً عبارة عن فراشة ملونة، وعمدت قاسم (25) عاماً، الى رسمه بعد رؤيتها للكثير من زميلاتها في الجامعة  وهن يوشمن أجسادهن بأشكال وألوان مختلفة حسب ما تقول، وتضيف قاسم مبتسمة:» هذا دليل على الديمقراطية، ومواكبة الموضة».
وتلك الظاهرة من العادات الاجتماعية المتوارثة وفقاً للسبعينية ام محمد، التي اوضحت: «اعتادت نساء العشرينيات والخمسينيات على وشم اجسادهن بعدة اشكال أو ما يعرف بـ»الدكة» ويشمل الوجه والقدم واليد، ويعد جزءاً من الجمال ويمثل رمزاً وعلامة لقبيلة معينة، او لتجنب الحسد او السحر».
أما عن اسباب اختفاء ظاهرة الوشم وظهور «التاتو» بدلاً عنها، قالت الباحثة في التراث، رشا نسيم: «تغير بعض العادات التي كانت متبعة سابقاً، وحلول انظمة متجددة ما اثر في الحياة الاجتماعية ومنها ظهور التيارات الدينية، وتحريمهم للوشم ما اسهم في اختفائه تدريجياً».
وعن طريقة رسم الوشم، قالت الحاجة أم حسن (64) عاماً: «بواسطة الأبر والرماد ومزجه بالماء، بعد ضرب المكان المراد الوشم عليه بالابرة بشكل متواصل يوضع بعدها الرماد ثم يترك ليتحول بعد مدة الى اللون الأخضر».
في حين عدته الخمسينية فاطمة داخل، نوعاً من أدوات المكياج البدائية، بسبب عدم توفر مراكز التجميل آنذاك، بينما يرى الشاب حسنين يوسف  أن الوشم، ومختلف عمليات التجميل جعلت المرأة تبتعد عن أمور مهمة في حياتها المهنية والاجتماعية، وذلك بالتركيز فقط على مظهرها الخارجي وأناقتها وتنسى تجميل عقلها وملئه بمحتوى جيد يساعدها على ادارة اسرتها وتربية أطفالها بصورة صحيحة.
وحذر الطبيب رسول فؤاد من الأمراض التي يسببها الوشم، قائلاً:»عدم خضوع المواد المستخدمة في عملية الوشم للرقابة الصحية ادى الى  انتشار الامراض، كالايدز، والسرطان عن طريق الابر الملوثة، والتسبب بالتهابات او قشور وندوب، او تغيير لون الجلد، وتشويه الجسم».
وعرف الوشم منذ القدم عند الشعوب والأمم، ويعود إلى 3400 عام قبل الميلاد، اذ استخدم من قبل الحضارات القديمة، مثل الفراعنة والمايا وقبائل شمال ووسط أوروبا، ويختلف الوشم حسب الطقوس الحياتية والدينية، كالموت، الحياة، الزواج، التعويذات السحرية أوالمرتبطة بأعراف قبلية أو طقوس، واستخدم الوشم في العراق كتعويذة ضد السحر والحسد والزينة والتجميل وخاصة عند النساء، وانتشر في فترة الحروب السابقة التي خاضها النظام المقبور، وخوف المحاربين من الموت في جبهات القتال.
وقد تولدت تلك الظاهرة ايضاً اثناء موجة العنف والقتل المنتشر في بغداد سنة 2006 ، اذ اتجه اغلب الشباب لوشم هوياتهم على اجسادهم للتعرف عليهم في حال اذا انتهى بهم المطاف كجثث في المشرحة.
تقول الحاجة ام علي (70) عاماً، وهي تتذكر: «في ما مضى كنا نزين أجسادنا باستخدام السواد الموجود على حواف الأواني والقدور، فكانت والدتي مختصة بوشم نساء الحي، وكنت أساعدها في ذلك».
أما رسام التاتو، ليث الساعدي (30) عاماً، فيوضح قائلاً: «أغلب روادنا من الشباب المهووسين بشعارات الأندية الرياضية كبرشلونة ومانشستر يونايتد، والمتأثرين بعدة فنانين ورياضيين».
مضيفاً: «تختلف أسعار الوشوم وفقاً للألوان المستخدمة، وعدد الجلسات».
من جهته أوضح، عمرعبد الله الذي يدرس الهندسة: «بأن انتشار هذه الظاهرة مجرد تقليد أعمى للمشاهير».
وترى الشابة سحر كريم (طالبة في كلية الطب) «أنها انفتاحٌ على الغرب، وزينة للمرأة».
وتعتقد الدكتورة فوزية العطية، أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد، ان سبب انتشار ظاهرة الوشم بين الشباب في العراق  يعود إلى «انفتاح المجتمع العراقي من خلال ثورة المعلومات الحديثة كالإنترنت وكثرة القنوات الفضائية، والسفر الى الخارج ومحاولة الشاب العراقي للارتقاء بالسلم الاجتماعي في تقليد أقرانه في تلك الدول بعد أن كان الشباب في العراق يعانون الحرمان قبل عام 2003».
وتعزو العطية سبب انتشار الوشم لدى الشباب من كلا الجنسين إلى جملة أسباب، أبرزها «التفكك في المنظومة القيمية، والاسرية، والاجتماعية»، وذلك بسبب الظروف الصعبة التي مر بها العراق، و»الانفتاح المفاجئ في ظل انعدام التوعية الإعلامية للأطفال والمراهقين في نبذ مثل هذه الأفكار الدخيلة على المجتمع العراقي للحفاظ على المنظومة القيمية والموروث الشعبي لدى المجتمع العراقي» وشددت على ضرورة تدخل وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية، والجهات الرقابية خلال هذه الفترة الحرجة للحد من الظاهرة والتصدي لها ومعالجتها».
واوضحت الباحثة الاجتماعية علا جلال: «ان انتشار هذه الظاهرة يعود إلى الفراغ الثقافي و التربوي، وما يشهده هذا الجيل الذي يحاور كل ما هو غير مألوف في اشكاله و حركاته و بما يراه، ومنها ظاهرة (الوشم) التي لا وجود لها في مجتمعنا الإسلامي والعربي.
وأكدت ان الإسلام لا يوافق على مثل هذا الامر، لأن مثل هذه التقليعات لا بد أن تصاحبها مظاهر أخرى في السلوكيات التي لا تلتزم بأدبيات الأخلاق المعروفة في بيئتنا العربية، والإسلامية بل تخرج عنها وان دلت على شيء انما تدل على غياب سلطة الأب والام في التربية الإرشادية، كما عهدنا بابائنا وأجدادنا وعهدنا بديننا الذي يحض على مكارم الأخلاق، ولابد هنا أن لا يهتم جيل الشباب دائماً في أي مظهر شاذ، ولابد  أن نسأل المقصرين عن تربيتهم و تعليمهم وإرشادهم.