في محنة وباء» الكورونا» يعيشُ الأدباء اجواءَ وحكاياتٍ من نوعٍ اخر، ربّما تختلفُ عن الناس الآخرين بحكم اهتماماتِهِم الأدبيّة، وكلُّ أديبٍ تراه يفكر او يعيش حكايةً مختلفة.
كابوس
الروائي خضير فليح الزيدي قال-
أتذكر منه الآن الشيءَ القليل، البارحةُ باغتني كابوسٌ مرعبٌ بعد منتصف الليل بقليلٍ كأنَّ” كورونا” الوباء قضى على كلّ سكان كوكبنا ولم يبقَ منهم سوى مليونٍ واحدٍ فقط من كل الجنسيات، حسب ايحاء الكابوس هذا ينتهي” كورونا” ويغادر الكوكب الى كوكب آخر، لم ينجُ منه في العراق الا أربعين فقط من الاطفال والنساء، تقوم الامم المتحدة بتجميع السكان المتبقين وتضعهم في جزيرة الكاريبي وتطلق تسميةً للتجمع السكاني بالدولة الناجية، تلغى كل جوازات السفر وتلغى أميركا وروسيا والصين. الدولة الناجية المتحدة ليس فيها دين او عرق او طائفة، تعيش بسلامٍ ومحبةٍ بعد كارثة” كورونا”. استيقظتُ من الكابوسِ وشربتُ قنينةَ ماءٍ باردٍ ولبست كفوفا وكمامة وعدتُ الى النوم.
بيوتنا أملنا
وقال القاص وارد بدر سالم:
ليس رجولة أن تعرّض نفسك وأسرتك وجيرانك وأهلك والمجتمع الى خطر الفيروس القاتل” كورونا”، ليس رجولةً أن تتخاطرَ في الشوارعِ والأزقّةِ والأسواقِ الصغيرة لتعرضَ الآخرين الى خطر الاصابة وتنقل العدوى من مكانٍ الى مكان. الأمرُ أكثرُ من خطيرٍ مخيفٍ وكارثي، لو تمادينا بكسر الحظر بسبب العزلة والقرف وتكرار اليوميات والروتين الأسري في سجون البيوت الاضطراري، امس خرجت .. وندمت. أخرجني الفضول لرؤية بغداد وهي في حالة انكماش صحي، فهالني المنظر لعدو يراك ولا تراه، ومرض يسير الى جانبك ولا تراه، وفيروس مجهري قد يعلق بثيابك في أي لحظةٍ وأنت لا تدري، هالني أن أرى بغدادَ ضعيفةً ومسكينةً لا تقوى على شيء في علّةٍ مفاجئةٍ، أصابت الكرة الأرضية كلها، عندها فهمتُ الى حدٍ كبيرٍ عزلةَ دولٍ كبرى وحجرها في بيوتها، لا أخيف أحداً، فالعالم كله مذعورٌ وخائف، والخوف يجعلنا أكثر حذراً من كل مفاجأة، والأمر ليس لعبة ولا أحد يستهين بـ”كورونا” القاتل الذي يرانا ولا نراه. البيوتُ الآن هي الحلُ الوقائيُّ المتوفرُ للجميع، البيوت هي الأمل. البيوت هي الرحم الدافئ لنا كلنا، وهي المنقذ والملاذ الأخير.
تاجُ الأزمات
وقال الناقد عباس لطيف:
كلُ لحظةٍ فارقةٍ في التاريخ تتطلب وعيا مفارقا... ما يشهده العالم اليوم من الـ” كورونا” أو الصدمة الفيروسية، هي تاج الأزمات” الكورونا” معناها التاج باللاتينية ولأنها الفيروس يشبه الشكل تاج الصدمة الفيروسية صدمت البشرية و كل تقنيات التقدم التكنولوجي ليس في جانبه الطبي الطبي والاحيائي و إنما اهتزت القيم و الثوابت في كل أبعاد الوجود البشري حالة حجر الاجباري لثلاثة مليارات من البشر من أعظم شوارع نيويورك إلى القرى البدائية في السودان و اليمن وقرى الصعيد المصري ومن كل دول الاسكندنافية إلى النمور السبعة وإلى الدول ما قبل الدولة وما قبل الحضارة، وأنضم إليها العراق بنجاح ساحق بفضل الإسلام السياسي المتحالف مع الاحتلال نزلت كل جيوش العالم و أغلقت المطارات و أطلق سراح السجناء و غرق العالم في مرحلة الأسئلة و البحث عن المنقذ و اتضح أن المنتظرين هم الغائبون وان المخلص قد هرب إلى المجهول، أغلقت الجامعات وبدأت حرب الشائعات و التخوين و نظرية المؤامرة وتحول البشر إلى فئران لتجارب الحقن، وهم يشمون رائحة الحرب البايولوجية، إحدى تجليات العولمة الوحشية بقيادة الرأسمال عابر الحدود و الأخلاق، توقفت اجراس الكنائس وأغلقت المساجد وعادت الوجودية والشكوك و الخوف الغريزي... هل انتقم الرب....؟ ام ان السماء فارغة من الحمولة الميتافيزيقيّة؟، عادت الأساطير واقوال الأنبياء و سفينة نوح و صحيفة الذنوب تفككت النظم وارتجف الملوك و الدكتاتوريون وافلست الشركات وعاد سرير بروكست من جديد... وغاب التحليل الماركسي للصراع الطبقي والتمركز الغريزي لفرويد وافلست انواع دارون... اغتيلت الحريّة من كائن مجهري لا يرى بالعين... أحدث الطائرات لا تحمل سوى الكمامات والمطهرات.. سقط النفط و الدولار وانهارت الأرصدة ولم يعد الاقتصاد محركا للتاريخ، ولم نجد الشعوب سوى بوسترات الدعاء الجماعي تلافيا للدفن الجماعي، تهشمت الأمم المتحدة وكل البنى الورقية جامعة الدول العربية واسيان والكومنولث، انتكست الروئ البرغماتية واندحر هنتغتون، فحرب الفيروس اغتال حرب الحضارات، ولم تعد الليبرالية هي نهاية التاريخ بحسب فتوى فوكوياما عالم ما قبل” الكورونا” لا يشبه عالم ما بعد” الكورونا”، علينا أن نقيم الجدل العقيم بين السارس و ميرس و انفلونزا الطيور و بين مفاهيم الحداثة و العقلانيّة و الثورة الإلكترونيّة..علينا الوعي بأن الخفافيش تحكم مصير العالم و سيعود البشر في رحلة سيزيف في البحث عن آلهةٍ جديدةٍ ووسائلَ جديدةٍ و أوهامٍ جديدة، بحثا عن الفردوس المفقود، فالأرض كما اثبت كوبرنيكوس ودحض الأديان هي مكان محدود و ضئيل يدور... يدور بحثا عن الشمس، التي لا تدور ولم يرثها احد انها صحوة” الكورونا” و تمرين في الجحيم و بحثٍ عن سماءٍ جديدة.