الهلع العالمي للمجتمعات والخوف الفردي والجماعي مع موجة اعلامية تقصف العقول وتجعل الانسان أسير الرعب، تهز قناعاته في حقول الثقافات والأديان والهويات مع سعت انتشار كوفيد-19 حلت أنظمة الحجر و فرض القيود على السفر وحركة الناس وحتى التسوق والتجارة والعبادات الدينيّة، اي تم فرض (العزلة المعتمة) على حركة التاريخ وتم تفريغ المدن الكبرى من البشر هكذا يكشف هذا المرض الوبائي ان هناك مساحاتٍ ومناطقَ غامضةً في الكون لم تكتشف بعد وهناك الضعف الانسانيوعجز المختبرات والعقول في ما ينبغي ان تفعل، ولكن الفيروس قد حفز من الجهة الأخرى مزيدا من الاعتماد على العقل نفسه بما يتضمن من مقدرة وخبرة علمية قابلة للتطوير والتنمية للمواجهة.
جريدة" الصباح" استطلعت اراء اكاديميين وباحثين بصدد الهلع والعزلة وصناعة الخوف الجماعي واهتزاز القناعات الجماعيّة في الثقافات والأديان والهويّات.
مناطقٌ غامضةٌ في الكون
يعتقد الدكتور حميد الهاشمي- مختص بعلم الاجتماع- لندن أن الصدمة ليست في عجز البشريّة عن وقف الفيروس أو كشفه مسبقاً أو التنبؤ به، فمازالت هناك مساحات ومناطق غامضة في الكون لم تكتشف بعد، فضلاً عن الكثير من الكوارث الطبيعيّة، التي نحن على تماس بها وبضمنها هذا الفيروس، لكن الصدمة في اضطراب سلوكنا وعدم استيعابنا لهكذا أمور، الصدمة في فشلنا بتنظيم أنفسنا واستعدادنا لهكذا كوارث، والحديث لا يقتصر على دولنا(الفاشلة)، بل حتى على الدول الصناعيّة الكبرى، خصوصاً أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، في حين أن الصين بؤرة الوباء أظهرت إمكانية في ايقاف المرض نتيجة لسببين: أولهما توظيفها التقدم العلمي والتكنولوجي،لاسيما الذكاء الإصطناعي (artificial intelligence) من خلال أجهزة الروبوت والتطبيقات الالكترونيّة، وأجهزة المراقبة (CCTV). وثانيهما: الانضباط الذي يتحلى به الشعب الصيني، وقدرة السلطات على فرض خططها، بينما ظهر بوضوح تخلف البلدان الأخرى مقارنة بها، الصدمة الحقيقية في عدم الإيمان بالعلم، والتسليم بأمور غيبيّة في هذا العصر، وذلك ما قد يوقعنا بصدمة أكبر حينما نصبح بمواجهة نتائج أكبر للوباء الخطير، الصدمة في تفشي ثقافة الاستهانة بالنفس والاستهتار بأرواح الآخرين.
الهلع .. مرحلة اللاعودة
ويبين الدكتورعلي عبد الهادي المعموري- استاذ العلوم السياسية أن الفيروس كشف الكثير عن الضعف الانساني، الذي تستر خلف المنجزات العلميّة، التي تحققت خلال آخر مئة عام، فالمختبرات عاجزة، والعقول حائرة، فيما ينبغي ان يفعل، أما القيم الانسانية فقد كشف الفيروس الكثير عن المساوئ التي تخفت تحت المدنيّة والتحضر، قتال مخجل على التجهيزات التي تحتاجها الأسر، بطريقة لم تحدث في الدول التي توصف بالتخلف، واجبرت المدن التي لم تكن تنام، او لم تفرغ شوارعها من البشر على أن تختبئ في منازلها هلعا، تجولت في ايطاليا طولا وعرضا، لم اشاهد شوارع روما التي مكثت فيها شهرين خاوية كما هي اليوم، ولا ممرات البندقية، ميدان سان ماركو في البندقية كان كأنه المحشر في عدد المحتشدين فيه طوال اليوم، وإذا به خاوٍ ولا من مخبر فيه، دول كبرى تسرق مستلزمات طبية تمر عبر اراضيها، واتحادات قوية اهتزت بسبب عجزها عن تدارك هذه الكارثة. لا المختبرات، ولا المعامل الكبرى، ولا الاسلحة الفتاكة، التي انفقت عليها الملايين، والكارتلات الاقتصادية، وغيرها وغيرها، كلها وقفت عاجزة تماما، تبيّن محدودية قدرة الانسان، وعجزه، وعدم قدرته على مجرد طمأنة نفسه في هذا الهلع الكبير، المجتمعات التي ظنت، وظننا معها انها وصلت إلى مرحلة اللاعودة في القوة والمدنية والتحضر تكشفت عن عجز غير مسبوق، وهلع.
صدمة العقل
ووضح الباحث احمد نجم أن الصدمة التي أحدثها الفيروس كانت للعقل غير المتخصص، الذي حلم كثيرا بجنة العقل، اما العقل العلمي المتخصص بالعلوم البيولوجي وتحديدا الاحياء المجهرية، فلا اعتقد انه صدم لانه يعي خطورة هذا النوع من الاحياء الدقيقة وربما يتوقع ما هو اخطر من هذا الوباء، كذلك تسبب بصدمة للعقل الديني وهو يرى اجتياح هذا الفيروس للمدن المقدسة، بالقسوة نفسها التي يجتاح فيها بقية المدن والمجتمعات، اما على مستوى القيّم الانسانيّة فقد حفز بعضها كما حصل في حملات التكافل الاجتماعي وشعور العالم باجمعه بارتباط مصيرهم معا ولكنه اثر وقد يؤثر اكثر لاحقا في حرية الافراد ويزيد من سلطان الدولة اكثر، وبالتالي يمكن ان نقول ان الفيروس هذا زلزل الثقة المطلقة بالعقل وامكانياته اللا محدودة، ليكون بذلك امتدادا لما وجه للعقل قبل اكثر من قرن من قبل فرويد باثباته للمسارات اللا واعية التي تتحكم في سلوكنا البشري وما فعلته مدارس ما بعد الحداثة من نقد كبير لعبادة العقل.
ولكن في الوقت نفسه، فالفايروس قد حفز من الجهة الأخرى نحو مزيد من الاعتماد على العقل نفسه بما يتضمن من مقدرة وخبرة علمية قابلة للتطوير والتنمية لمواجهة هذا الفيروس وما هو اخطر منه مستقبلا، التي قد يكون تهديدها للجنس البشري شاملا وليس جزئيّا وهذه الوقاية المستقبليّة، لن تتم بغير الطريق المعبد بالتجارب والمباحث العلميّة.