أدّى ظهور الجائحة الوبائيَّة لفيروس كورونا إلى ظهور مخاوف متعددة ليس من الجانب الصحّي حسب، بل في الاجتماعي والاقتصادي، فالكثير من المناطق والمدن ترزح تحت خطّ الفقر بحسب احصائيات وزارة التخطيط التي أطلقتها مؤخرا، ومع فرض الحجر الصحي ومنع التنقل بين المناطق شكل الواقع الاقتصادي تحدّياً حقيقياً لتلك الأسر وتوفير قوتها اليومي، لذلك أعدّ مجموعة من الشباب أفكاراً تهدف إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين.
مساعدة
الناشطة المدنية، رؤى خلف، صاحبة مبادرة (وكَفة أهل) لإعداد سلال غذائية تحتوي على مواد مهمة وضرورية قالت: انبثقت هذه الفكرة لديّ منذ الأيام الأولى لظهور هذا الوباء، إذ كان من البديهي توقّع هذه الاجراءات الصارمة للحدّ من انتشاره بين الناس، وهذا شكّل تحدّيا آخرَ، فكيف يمكن لأصحاب القوت اليوميّ أن يوفّروا لهم ولعوائلهم ما يمكن أنْ يسدَّ رمقَ معيشتهم، لذلك تولّدت هذه الفكرة، وهي تجهيز مواد غذائية للمحتاجين والكسبة، وذلك عبر مبادرة "وكَفة أهل" التي أطلقتها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وآلية العمل المتبعة تعتمد على التبرعات التي تأتي من أشخاص راغبين بالتبرّع والمساعدة.
تدابير وإجراءات
الباحثة بالشؤون الاجتماعية والنفسية، الأكاديمية، الدكتورة ناز بدرخان السندي، أشارت إلى أنّه في ظلّ الظروف الصعبة وإجراءات الحجر التي فرضت على جميع المناطق، أكثر المتضررين من هذه القرارات هي الأسر المتعففة وذات الدّخل المنخفض جدا، لذلك كان لا بدّ من أخذ التدابير والإجراءات اللازمة لتوفير المواد الغذائية الضرورية لهم، وهذا ما دفع مجموعة من الشباب إلى تجهيز سلّات غذائية تحوي موادَّ أساسيَّة وضرورية للأسرة، بدءا بالبقوليات والخضراوات وصولا إلى المعقمات و موادّ التنظيف.
تنسيق وتنظيم
وتبيّن صاحبة مبادرة "وكَفة أهل" رؤى خلف، أن العمل تمّ استنادا للمعلومات والبيانات التي جمعتها الفرق التطوعية التي تنشط في مناطقها السكنية، إذ بيّنت أعداد الأسر المتضررة وعنواناتهم الكاملة، وتمّ التوزيع وفقا لطبيعة المناطق، فعلى سبيل المثال (مناطق الكفاح وفضوة عرب وباب المعظم التي يعتمد غالبية سكّانها الأعمال اليومية، فالكثير منهم يعمل في مهن حرة في مناطق الشورجة، أو عمال في محلات الشيخ عمر إذ يعمل أغلب شبابها في محالّ تصليح السيارات، فضلاً عن مناطق أخرى مثل الحميدية وحيّ النصر، إذ توجد فئات كبيرة منهم تعمل على جمع النفايات، أو العمل على سيارات "التُك تُك"، وبصورة عامة جميع هذه الأعمال متوقفة، وكذلك الأحياء الشعبية الفقيرة الأخرى التي يعاني سكانها أيضا من عواقب الحجر
الصحي.
وتلفت رؤى إلى أنّها قامت بنشر رقم هاتفها الخاص، للتواصل أكثر مع المتبرعين والأسر المحتاجة، وتمّ التعاون مع الجهات الحكومية (عمليات بغداد - والشرطة المجتمعية) لتوصيل المواد أو الذهاب لاستلام التبرعات، والحملة مستمرة وناجحة بشكل كبير جدا.
متضرر
الأربعيني، أبو حسن، البائع الجوّال للمعجنات والكعك، ينطلق منذ الصباح الباكر في رحلة يومية من أجل كسب رزق أُسرته اليومي، ولم يكن يأبه بالأخبار المتناقلة والمتداولة عن فيروس كورونا الخطير الذي بدأ باجتياح العالم واستنفر الجهود لمكافحته. لكن اجراءات الحجر فرضت عليه وعلى أقرانه ملازمة المنزل وعدم السماح له بالتجوال في الشوارع ممّا أثّر بشكل كبير فيه وفي أسرته، ويقول أبو حسن: "لديّ خمسة أولاد بأعمار مختلفة أحاول أن أوفّر لهم لقمة العيش، وقبل الحجر كنت أعمل بائعا جوّالاً للمعجنات وأكسب منها قوتي اليومي. ولكن بعد فرض المنع وعدم السماح بالتنقّل، بدأتُ أعاني وأولادي بشكل كبير، ولا نعلم ما يخبّئه لنا المستقبل".
دعم
الباحثة بالشؤون الاجتماعية، الدكتورة ناز السندي، تبيّن أنّ توفير الدّعم للأسر الفقيرة يقع على عاتق الجهات الحكومية والمختصة، فمن المفترض الاستعانة بقاعدة البيانات التي تمتلكها الجهات المعنية، كوزارة العمل والشؤون الاجتماعية التي تحتفظ بأسماء وعنوانات تلك الأسر، والتنسيق مع الجهات الراغبة بالتبرّع وتوفير المواد الغذائية لهم، فعلى سبيل المثال، في دول أووربا، هناك دعم للأسر إذ يتمّ توفير ما يحتاجونه من أساسيات الحياة من مواد غذائية وغيرها وإيصالها إلى المنازل كي لا يضطروا إلى الخروج وتعريض حياتهم
للخطر.
جوانب إيجابيَّة
الباحث بالشؤون الاجتماعية، الأكاديمي، الدكتور، ولي الخفاجي، أوضح أنّ الأزمات التي تمرّ بها البلدان سواء الصحية أم الاقتصادية بالرغم من سلبياتها، إلّا أنّها تحمل في طيّاتها الكثير من الإيجابيات، وهذا رأي أجمع عليه باحثو علم الاجتماع، فعلى سبيل المثال هناك عدد كبير من الشباب كانوا يقضون جزءاً كبيراً من يومهم بالتسكّع والجلوس في المقاهي، لكننا نجدهم اليوم يفكرون بطرق مختلفة كي يساهموا بتذليل الصعوبات في المجتمع وإنتاج أفكار جديدة ومنها التكافل الاجتماعي. وفي ظلّ هذه الأزمة فإنّ واجب الجهات المسؤولة والمختصة أن تنسق مع هؤلاء المتطوعين الشباب، وتحاول أن توفر متطلبات الحياة اللازمة لأفراد المجتمع لا سيّما أولئك المحتاجين، وأيضا تقنين عمل الفرق الشبابية التي تريد أن تقدّم خدمة مجتمعية والتنسيق معها على مستوى المناطق، خصوصا الشعبية والفقيرة، كي تجني حملة التكافل الاجتماعي ثمارها الحقيقية.