على شاشة التلفزون تمثيلية ٌ أَم فيلم تلفزيوني ؟

الصفحة الاخيرة 2018/12/17
...

 
 رضا المحمداوي
 
عاشتْ(التمثيلية) التلفزيونية،أو ما شاعَ عليها إصطلاحاً في العرف التلفزيوني عندنا في العراق بـ(السهرة التلفزيونية)،عصرها الذهبي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، واستمرَّ إنتاجها في العقد التسعيني ، لكن مع توالي سنوات ذلك العقد تقلصَّ إنتاج هذا النمط من الأعمال الدرامية  ، وانحسرَ وجوده على شاشة التلفزيون إلى أن اختفى تماماً وأصبح الآن نوعاً درامياً منقرضاً.
وبوجود قناة تلفزيونية واحدة في العراق كله أو قناتين في أفضل الاحوال في تلك الحقبة التاريخية المُهّمة من تأريخ التلفزيون لدينا،كانتْ (التمثيلية) تُعدُّ إنجازاً فنياً مُهمِّاً، وتجدُ لها جمهوراً واسعاً وعريضاً يبقى يترقب عرضها إسبوعياً ويطمع في المزيد منها . من هنا حَظيتْ تلك (التمثيليات) التلفزيونية بفرصة المشاهدة الذهبية التي رسخَّتْ حضورها في ذاكرة مشاهديها ومتابعيها ،وعمقّـتْ من التعاطف مع موضوعاتها وأفكارها ، وما زالتْ عناوين تلك(التمثيليات) ترّنُ في أذهاننا وتتراءى أمامنا وجوه ممثليها وأسماء مخرجيها ومؤلفيها ، ذلك لأن(التمثيلية) قد جسدَّتْ بالنسبة إلى ذلك الجمهور التلفزيوني المُتعطش لها النافذة الوحيدة الواسعة التي  يطلُّ من خلالها على حياة المجتمع وموضوعاته وقضاياه.
وممَّا شجعَّ على الإستمرار في إنتاج ذلك النوع الدرامي في تلك السنوات البعيدة هو التكلفة الواطئة للإنتاج مع البساطة الفنية من حيث الأفكار المطروحة وطبيعة المعالجة الاخراجية  بل وحتى الأداء التمثيلي للممثلين،  لكن مع إرتفاع تكاليف الإنتاج وتغيّر طبيعة المجتمع العراقي والمنعطفات والتغيّرات التأريخية الكبيرة التي مرَّ بها ،إضافةً إلى أن الجمهور العراقي قد شاهدَ وتعرّفَ وتفاعلَ مع النتاجات التلفزيونية والسينمائية الضخمة ،وأخيراً مع طوفان البث الفضائي وإنتشار القنوات الفضائية العراقية منها والعربية وكثرة الاختيارات التي اصبحتْ طوع أصابع ذلك الجمهور وهي تضغط على أزرار (الريموت كونترول)، لم تَعُدْ (التمثيلية)موضع إستقطاب وجذب للمتلقي، كما أن (التمثيلية) بمواصفاتها الفنية المتواضعة أصبحتْ    أثناء عرضها على شاشة التلفزيون في خضم ذلك الطوفان الدرامي الهائل عُرضةً للضياع، مثلما تضيع موجة ضئيلة في بحر هائج .
عند هذه النقطة بالذات يتوجّبُ التوقف للإقرار بتغيّر وإختلاف ذائقة الجمهور العراقي الجديد الذي عاش البث الفضائي التلفزيوني بعد عام 2003 والذي أصبح ملولاً وذا مزاج مُتقّلب، بل باتَ من الصعب إرضاؤه بعرض تمثيلية قصيرة ذات إنتاج متواضع في ضوء الاختيارات الدرامية والفنية التي أصبحَ  يمتلكها بين أصابعهِ حيث تعجُّ الفضائيات والقنوات المتخصصة بالدراما التلفزيونية والافلام السينمائية بعرضها المستمر لنتاجاتها ليل نهار ومجاناً بدون مقابل.
وفي واحدةٍ من مراحل تطورها، وقبل أنْ تغادر محطتها الأخيرة كانت التمثيلية التلفزيونية ، وتحتَ ضغط أسباب كثيرة وللضرورة الفنية والانتاجية ،قد تحّولتْ إلى نمط ٍ إنتاجي وفني جديد باتَ يُعرفُ الآن بـ(الفيلم التلفزيوني)، وهو ما أتوقف عنده في حلقة الاسبوع المُقبل من هذه الزاوية إن شاءَ الله .