في ذكرى رحيل قاسم محمد عباس الثانية

ثقافة 2020/04/04
...

حسين محمّد عجيل
 
 
رحل في مثل هذا اليوم من عام 2018عن عالمنا الكاتب ومحقق الكتب الصوفية  قاسم محمد عباس، تاركاً خلفه قرابة ثلاثين كتاباً ما بين تراجم وتحقيق وبحث، إلى جانب بعض الكتابات الأدبية من رواية 
وشعر.
ومن أبرز أعماله الدراسة التي أعدّها بعنوان "هكذا تكلّم الحلاج"، وسعى فيها إلى نقد آراء الاستشراق في التصوّف الإسلامي عموماً، وإعادة النظر في عمل ماسينيون عن الحلاج خصوصاً. كما حقّق له "الأعمال الكاملة" وهو كتاب يتألف من مقدمة طويلة، وسيرة للحلّاج، وضمّ نصوصاً هي: الطواسين، وبستان المعرفة، والأقوال، ونصوص الولاية ، والروايات أو الأحاديث، 
والديوان. 
وقدم كذلك دراسة في رسائل ابن عربي "عين الأعيان"، وفيها مراجعة تاريخية للمشروع الصوفي الإسلامي برمّته، مستخدماً منطق البحث والتقصّي والمقارنات بين رسائل ابن عربي المختلفة، ودارساً الظرف السياسي والاجتماعي والثقافي الذي ظهر وكتب فيه، كما حقّق وراجع مجموعة من 
كتاباته.
وله ايضاً كتاب بعنوان "الرسائل الإلهية" لابن عربي التي قام بتحقيقها وكتب في مقدمتها "ان رسائل هذا الكتاب هي تتمة لطروحات ابن عربي التي تناولها في فصوص الحكم، بل تؤكدها وتفصّل في محدداتها، لتشكّل في النهاية حلقة إضافية من حلقات نظريته المعرفية، وتهتم في الوقت نفسه بتقديم موقف دقيق ومركّز لأفكار ونظريات ابن عربي الإشكالية، وتوضّح لنا تلك الكيفية التي تجاوز فيها كل التناقضات العقائدية".
اما الكتابان الاخران فكانابعنوان "ثلاث رسائل في الرؤية والمجاز" و"كلمات صوفية"، وفي الأخير مختارات من القصص الاشراقية نجد فيها تلك البنية التي تقترب من حكايات القرون الوسطى
 الرمزية.
كتب قاسم أيضاً تراجم وتحقيقات حول أبي يزيد البسطامي في كتاب "المجموعة الصوفية الكاملة"، والنفري في دراسة "ضاقت العبارة" وهي الأعمال الكاملة لصاحب المخاطبات، إلى جانب عدّة دراسات في البهائية، اهتم فيها بنشر مجموعة مختارة من آثار عبد البهاء (عبّاس أفندي) ناشر البهائية.
وله أيضاً رواية بعنوان "المحرقة"، يتناول فيها فترة الحرب الإيرانية العراقية، ويستعيد تجربة فرد في أحد فصول الجحيم التي عاشها العراق، وكأن هذا الفرد يمثل جيلاً سيق إلى الحرب، فيقول الكاتب على لسان الشخصية الأساسية في الرواية مروان: "نحنُ جيل تحطم على مرأى من نظر العالم، لا أدري كيف سيتحدثون عنا فيما 
بعد".
ولمناسبة الذكرى الثانية لرحيله كتب حسين محمّد عجيل وهو احد اصدقاء الراحل المقربين القصيدة التالية والتي خص "الصباح" 
بها..
قاسم محمّد عبّاس.. 
مَن رماكَ بزهرةِ الشبليِّ..؟
حسين محمّد عجيل
تقاسمنا الخبزةَ،
والعزلةَ،
في أيامِ القحْطِ..
تقاسمنا السهَرَ،
تقاسمنا ثمراتَ الصمتِ الماسيِّ،
وفحمَ الكلام.
أتذْكُرُ..؟
تلكَ أركانُ طريقةِ المُبشِّرِ بالحبِّ،
و"تُرْجُمانِ الأشواق"،
أوّلِ شيوخِكَ،
وآخرِ شيوخي..
..........
في "مبتدأ الطوفانِ"،
تخيّرتُ صحوَ الساحلِ،
وأنتَ اصطفيتَ الغرق..
وحينَ ناجيتَ الحلّاجَ
بـ "طاسينَ الخطيئةِ"
حائراً بين صليبٍ وصليب،
وقفتُ أرقبُ في اللجّةِ مِشكاتَكَ
كان زيتُكَ ينضبُ
أنتَ المتوهّجُ نوراً..
..........
ظلّ سؤالُ الشبليّ يتربّص بي،
حينَ راعني هاتفٌ بلسان "كريم شغيدل" ليلاً،
معزّياً بالبياض:
أيها الوسيمُ المرهَفُ
يا "صفاءَ خلاصةِ خاصّةِ الخاصّة"..
مَن رماكَ بزهرةٍ..
فآثرتَ العروجَ الأخيرَ في أوان ربيعِك..؟
............
سالِكاً شارعَ أميراتِكَ
جئتكَ عند "الصخرةِ" 
خائفاً أترقّبُ،
قد نسيتُ الحياةَ.
كنتَ وحيداً مثلي خلفَ البابِ الموصَد
صورتُكَ وسيماً أنيقاً،
بين الآسِ والشموع،
تضيءُ القاعةَ.
أنتَ تنظر إلى ما وراء الوراء،
وأنا أتطلّع من خلف غلالات الحُجُبِ..أبحثُ عنكَ.
.................
وحيدينِ في عزلتنا نحنُ، كما عشنا ضِعفَ سنيّ يُوسَفَ
...................
من نهارِ عالمي جيء من القارّةِ الزرقاءِ بأصفيائِكَ: "ضياء أحمد عبد الرزاق" و"حكمت الحاج" و"نصير غدير".. 
ومن ليلِ عالمكَ- تخيّل يا قاسم.. برزخٌ يحولُ بيننا..!-
رأيتُ "علي حبيب ظاهر" و"رعد عبد القادر".. وأطيافاً من أرواح تشظّت أشلاءً في "المحرقة"..
هناك.. 
حيثُ تيبّست أطرافُ الليل والنهار،
ناجيتُكَ..
.................
فتحَ "عليُّ السومريُّ" البابَ،
مريدُكَ النقيُّ المتألِمُ،
الذي خصصتَهُ بآخر وصاياك.
ذاهلاً.. محدودباً، تطلّعَ في صورتكَ، غير بعيدٍ عن كرسيّ "المهوالِ" المعمَّم..
................
وحين جاء "عبدُ الزهرة زكي"، صفيُّكَ المتجلِّدُ لأجلِ ودائعِكَ عندَه وعندنا:
"فؤادُ"، و"ماهرُ"، و"وائلُ" والمتغرِّبُ "عزُّ الدين"..
تحلّقَ في حضرتِكَ أصفياؤكَ من عالمين....