أنا لست عبدك !

الصفحة الاخيرة 2018/12/17
...

محمد غازي الاخرس
هكذا إذن، أشاهد فيلما وثائقيا فألعن الحظ الذي جعلني أتلاعب بالريموت كونترول ليستقر عند تلك القناة. أقول لنفسي: لماذا دائما أجد نفسي وجها لوجه أمام المآسي والأحزان؟ لماذا استمتع كل هذا الاستمتاع بحكايات القهر السلالي والعرقي والطائفي والديني؟ لماذا أحبّ تلك الرحلات السوداء حيث تختصر كراهيات الإنسان للإنسان وتتكثف نوازعه الشريرة المريعة؟ هو ذاك، فيلم عنوانه (أنا لست عبدك) أخرجه مبدع من هاييتي هو راؤول بيك ويدور حول ثيمة العنصرية والتمييز الذي شهدته الولايات المتحدة وتصارع وفقه الزنوج من ذوي الأصل الأفريقي ضد البيض وانتهى بمقتل العشرات منهم بينهم رموز أصبحوا أيقونات تمثل تلك المرحلة، وهم الثلاثة الذين سرد الفيلم بعض تفاصيل نضالهم برفقة صديقهم الكاتب والروائي جيمس بالدوين، راوي 
الفيلم وبطله.
 المقصود هم مارتن لوثر كنغ ومالكولم أكس وميدغر إيفرز. 
فيلم (أنا لست عبدك) أنتج قبل سنة تقريبا بنسختين، أميركية وفرنسية، وعُرض في أفريقيا وفرنسا والولايات المتحدة وأحدث صخبا كبيرا لمستواه الفني الرفيع وجدة الأفكار التي طرحها عدا أنه مصنوع بطريقة غير مسبوقة حسب علمي، وذلك بأن اتخذ المخرج منظورا لسرد الصراع العرقي وفق وجهة نظر جيمس بالدوين، الكاتب المتوفى عام 1987، اعتمادا على أوراقه ولقاءاته وصوره الفوتوغرافية ورسائله وتراثه الذي خلفه وراءه. بل إن فكرة الفيلم برمتها قامت على مشروع كتاب لم يكمله بالدوين عنوانه (تذكّر هذا البيت) ويدور عن أصدقائه الثلاثة المذكورين، مارتن لوثر وأكس وأيفرز. المهم أنّ الفيلم تحفة هائلة ولا يمكن رؤيته مرة أو مرتين بل يفترض الاستمتاع به عشرين مرة، لهذا مثلا رشح للأوسكار
 عام 2017.   
قلت إن الفيلم مصنوع بطريقة فذّة وقرينة ذلك تكمن في الشكل الإخراجي الغريب الذي ركن إليه المخرج. ثمة، بالأحرى، صوت جيمس بالدوين يرافقنا طوال الفيلم، والتعليق المقروء عبارة عن مقاطع مما تركه ذلك الروائي في مخطوطته. أما المعادل البصري فوثائق من الصراع العرقي الذي شهده المجتمع الأميركي إلى جانب صور شخصية لبالدوين ورسائل ومقابلات ومقاطع من أفلام سينمائية وعروض فنية. فضلا عن تسجيلات صورية إخبارية للتظاهرات والصراعات اليومية في الشارع
 الأميركي.
وإنه لمن الدال حقا أن المخرج حرص حرصا كبيرا على أن يكون صوت الممثل الذي قرأ التعليقات مشابها لصوت جيمس بالدوين الأصلي والذي يوجد في الفيلم عبر المقابلات الكثيرة التي استخدمها المخرج. كان الصوت مشابها لدرجة أنك لا تقدر على التمييز بين الصوتين. 
فيلم عظيم ومبهر وللآن لا زلت مسحورا بأجوائه عسى أن أرى يوما شبيها عراقيا له خصوصا أننا نتوفر على حكايات لا حصر لها عن صراعات ما زالت تدور كل يوم.