صالح الشيخ خلف
أمرٌ مخيفٌ عندما نسمع ونشاهد الوضع الصحي المتردي الذي تعاني منه الولايات المتحدة الأميركيَّة بسبب انتشار فيروس كورونا. صحيح أنَّ هذا الوباء "جائحة كورونا" أصاب العديد من دول العالم وأنظمتها الصحية ودعاها الى استخدام أنظمة محليَّة تستند على إمكاناتها من أجل معالجة انتشار الفيروس. لكن الصحيح ايضا أنَّ العالم لم يكن يصدق تخبط "الدولة العظمى" في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركيَّة لمواجهة هذا الفيروس المنحوس الذي لا يُرى بالعين المجردة بل لا يُرى حتى بالمجاهر الطبيعيَّة!. الرئيس الأميركي الذي تساهل كثيراً مع كورونا "ربما لأسباب انتخابيَّة" اضطر في نهاية المطاف الى تغيير لهجته بعدما استفاق على واقع وحقيقة، وهي عدم وجود كمامات وقفازات يحتاجها الكادر الطبي في مستشفيات نيويورك وأنَّ الجثث تملأ القاعات والصالات!.
الرئيس ترامب الذي لا يزال يندب حظه العاثر لمجيء هذا الفيروس في غير موعده وتحديداً قبل الانتخابات التي تجرى في تشرين الثاني المقبل، اضطر الى إقالة قائد حاملة الطائرات روزفلت بعد اتهامه بتسريب معلومات عن إصابات بفيروس كورونا في هذه السفينة التي تعدُّ من السفن البحريَّة العسكرية الستراتيجيَّة. الغريب إنَّ هذه السفينة كانت في يومٍ ما تُرسل الى هذه المياه أو تلك لإرهاب أعداء الولايات المتحدة لكنها اليوم ترهب السكان الأميركيين في نيويورك جراء إصابتها بكورونا! كنا نتوقع حدوث الكثير من الأمور والتطورات في العالم والمنطقة، لكننا اليوم نقف حيارى لا نستطيع تفسير ما يحدث في الدول التي كنا نقف مبهورين أمام قوتها وعظمتها وتفوقها العلمي والتقني، بل في بعض الأحيان قزمتنا هذه العظمويَّة وجعلت البعض لا يرى نفسه إلا من خلال قوة الولايات المتحدة وعظمتها وناطحاتها!.
لا أريد تبسيط هذه القوة وأهميتها لكنها سكتت في الوقت الذي كان لا بدَّ لها أنْ تتكلم وأنْ تسد العجز الذي يعاني منه سكانها قبل غيرهم لإعطائهم محارم التواليت على أقل تقدير!.
لم أكن أتصور أو يخطر ببالي أنْ تقوم الولايات المتحدة بسرقة كمامات صينيَّة مرسلة الى ألمانيا أو فرنسا، أو أنْ تقوم إيطاليا بسرقة كمامات مرسلة الى تونس! غريب إنَّ هذه السرقات ليست لصواريخ باتريوت أو رؤوس نوويَّة، أو لمادة الزئبق الأحمر.. إنها لكمامات لا يزيد سعر الواحدة منها على 10 بنسات، وتصنع من خلال ماكنة خياطة "سنجر" كانت جدتي تملكها قبل خمسين عاماً!
كثيرون يفكرون كما أفكر، ويكتبون كما أكتب، عن العولمة والصناعة والاقتصاد والسياسة والذهب والعملة وعن مرحلة ما بعد كورونا. هل فعلاً إنَّ العالم يسير الى عالمٍ جديدٍ وقواعد جديدة؟ لا أحد يشك بذلك وإنْ اختلفت الرؤى والتفسيرات.
المهتمون بالمستقبل يعتقدون أنَّ "كورونا" أسهم في تسريع انفجار ثلاثة ملفات عالميَّة كانت مهيأة للانفجار آجلاً أم عاجلاً، لكنَّ "الصديق اللدود كورونا" عجّل في هذا الأمر وأزاح الستار عن "عالم جديد" و"جيل جديد" لم يكن يتحقق لولا هذا الضيف غير المرغوب به!
الملف الأول، المديونيَّة. كل دول العالم واقعة تحت طائلة المديونيَّة لدول ومنظمات ومؤسسات ماليَّة متعددة ومعقدة تهيمن على اقتصاديات العالم. دول مختلفة في العالم تملك ديوناً أكبر بكثير من ثرواتها وأكبر من ناتجها القومي، وهي بالتالي لا تستطيع سداد ديونها بأي حال من الأحوال. بعض الدول كلبنان قالت بوضوح وبكل شفافية بأنها لا تستطيع سداد الديون وإنَّ ديونها أكبر من حجمها. كورونا جاء ليضع حداً لهذه الديون وعجل في تصفيرها أو إعادة ترسيمها ونقطة على السطر.
ألمانيا تملك ثروة لكنَّ هذه الثروة في إيطاليا واسبانيا. كورونا سيصفرها ونقطة على آخر السطر. هذا هو العالم الجديد.
الملف الثاني، الأعمار. العالم المتقدم وصل الى حافة الانفجار بأعماره المتقدمة التي وصلت الى درجة خطيرة لا تنسجم مع قواعد الاقتصاد. مستوى الأعمار في ألمانيا 49 عاماً وفي إيطاليا 48 عاماً؛ بمعنى إنَّ نصف أعمار هذه الدول بمستوى 48 عاماً. لا يمكن لأي اقتصاد أنْ ينهض بهذا المستوى من الأعمار. إنه اقتصاد عجوز. الرابح هي الدول التي تملك فئات عمريَّة شابة كما هي الحال في الدول النامية. إنه "عالم جديد" و"جيل جديد". الملف الثالث، العولمة. العولمة الاقتصاديَّة التي بدأت في العام 1996 لم تستطع أنْ تحقق أهدافها ولم تستطع أنْ تقنع أصحابها أنها قادرة على الاستمرار في مساراتها المختلفة. كورونا أطلق رصاصة الرحمة عليها. لم يعد اليورو الأوروبي يتربع على عرش الاقتصاد العالمي، كما أنَّ الدولار الأميركي لم يعد سيد العالم! إنَّ الاقتصاد العالمي غير مستعدٍ أنْ يعودَ للعولمة العجوز، وإنما لمرحلة جديدة من "الهوية الوطنيَّة". وللبحث صلة.