لا يكتئبون في زمن {الكورونا}
الصفحة الاخيرة
2020/04/06
+A
-A
بغداد/ علي حمود الحسن
انتشر فيروس كورونا وتزايدت حالات الإصابة به، فهرع الناس الى بيوتهم صاغرين، وفرض حظر التجوال على الجميع، إلا لضرورة قصوى، وتخلوا عن أعمالهم ومصالحهم، منتظرين الفرج، وراحوا يتفننون في تزجية أوقاتهم، بعضهم لم يتحمل العزلة الإجباريَّة، وآخرون وجدوها فرصة لاستعادة بعضٍ من دفء الأسرة الذي بددته الثقافة الرقميَّة والأجهزة الذكيَّة، ولم تنفع مشاهدة التلفزيون، ولا لعبة "الدومينو"، أو الألعاب الالكترونيَّة في الخروج من مأزق "الحجِر"، وربما الناجون من ذلك، هم قراء الكتب والمولعون بالسينما ومشاهدة أفلامها، الذين وجدوا في هذه العزلة الإجباريَّة - على رعبها- فرصة لالتهام كتبٍ جديدة وقديمة ومشاهدة أفلام حديثة وأخرى كلاسيكيَّة، بفضل تقنية "المشاهدة الرقميَّة" المتاحة للجميع.
صفحة (سينما) سألت سينمائيين عراقيين عن مشاهداتهم في زمن "كرصة كورونا"، فكان هذا الاستطلاع:
صفاء الليثي: رائعٌ جداً أنْ تكون السينما كل حياتك
وأجابتنا الناقدة والمونتيرة المصرية صفاء الليثي، بالقول: "نعم انهماكنا بالمشاهدة والكتابة عن السينما بددت ملل العزلة وأنعشت الأمل بالممانعة".
وأضافت: "عدت من مهرجان الأقصر الإفريقي الذي لم يكتمل بفعالياته، واتخذت قراري بوضع نفسي في عزلٍ منزلي، وكانت السينما بأفلامها وما يكتب عنها زادي وزوادي في أيام الحظر، بينما أقلب في دفاتري القديمة وجدت مقالاً كتبته عن فيلم "مواطن ومخبر وحرامي" للمخرج الكبير داود عبد السينما، أعدت نشره بفرح وجدت تجاوباً من الأصدقاء، واسترجعت "أفلامنا الحلوة"؛ فوجدت نسخة جيدة من فيلم "البحث عن سيد مرزوق" على الشبكة الدوليَّة، أعدت مشاهدته للمرة الأولى بعد ما يزيد على عشرين عاماً، يا الله ما هذا الجمال، ليلة قضاها نور الشريف في ليل القاهرة، فيقابل شخصية ساحرة (سيد مرزوق)، لنرى مشاهد فوق الخيال، وهو ليس فيلماً واقعياً، ولا أعرف كيف وصفوا مخرجه بفارس؟".
جمال أمين الحسيني: شغيلة الفكر لا خيار لهم سوى القراءة والإنجاز
على عكس الكثيرين، يرى المخرج والممثل العراقي المقيم في لندن جمال أمين الحسيني: أنه "يمتلك في الأيام العادية مزاجاً جيداً لمشاهدة الأفلام"، ويضيف: "أثناء إقامتي الجبريَّة في البيت، أعمل على مراجعة ما كتبته من سيناريوهات، وأشاهد الكثير الأفلام، آخرها مجموعة أعمال وثائقيَّة عربيَّة، منها: "دعاء وعزيزة" لسعد هنداوي، الذي يتحدث عن معاناة الجيل الثاني من المهاجرين العرب وأزمة هويتهم، وفيلم آخر شاهدته بشغف، عنوانه "جاي الزمان" للمخرجة دنيا حمزة، ويحكي بعفوية قصة الشاعر محمد حمزة الذي كتب الكثير من أغاني عبد الحليم حافظ من خلال أسرته وأصحابه، الفيلم أعاد لي عصر الأغنية العربيَّة الذهبيَّة، وتمتعت كثيراً برائعة المخرج الاسباني غالدير أوروتيا "الحفرة" (2019)، وهو فيلم روائي طويل، يحمل أفكاراً عن السجن بطريقة مبتكرة، وعلى الرغم من تقنيته العالية، إلا أنَّ السيناريو أخفق في هندسة نهاية تليقُ بعمق موضوعه، وعلى العموم، أنا أشاهد الأفلام بشكلٍ مستمر، لكنَّ ما ذكرته من أعمال، هي من توقفت عندها في زمن "الإقامة الجبريَّة"، ومن وجهة نظر الحسيني، فإنَّ شغيلة الثقافة ومنهم السينمائيون، لا خيار لهم سوى القراءة والمشاهدة والإنجاز، سواء في زمن الكورونا، أو غيره".
المخرجة إيمان فارس: خليك بالبيت واستفد من وقتك
"إننا اليوم في زمن اختلطت فيه الأمور وأصبح من الصعب التمييز بين القدر الواسع من الوعي والتحليل والتحرك وفق نظرة مضبوطة، فكلما زاد وعيك كلما زادت مسؤولياتك، مثلاً اليوم نحن مجبرون على البقاء في المنازل وعلينا تنمية وعينا أكثر، الكثير من الناس تنوعت نشاطاتهم المنزليَّة حسب اهتماماتهم، وشغفي بالفن التشكيلي والسينما هو ما أقضي به ساعاتي، أستمتع كثيراً بمشاهدة أفلام تتحدث عن حياة الفنانين التشكيليين، على شاكلة: "مودلياني"، و"فريدا كاهلو"، وأحببت كثيراً فيلم "سيرافين"، وغالباً ما أقتفي الأعمال التي تتحدث عن سيرة فان كوخ، وقد انذهلت بفيلم "فينست المحب"، وكذلك "عند بوابة الخلود" وكلاهما يتحدث عن السيرة المحتدمة والتراجيديَّة لصاحب لوحة "آكلو البطاطس" الشهيرة، وكذلك الأفلام القديمة التي تتناول سيرة هؤلاء الفنانين، وبذا قد نفذت مقولة "خليك بالبيت استفد واستمتع بوقتك".
سعد ناجي علوان: قضيت أوقاتاً سعيدة برفقة ترانيس ماليك
لا يحسن الشاعر والناقد سعد ناجي جواد الابتعاد عن السينما متابعة وكتابة، على الرغم من كونه يحيا تحت سماء الشعر، الأقرب الى الفن السابع، فهما من وجهة نظرة يتشاركان بإنتاج الصور، ويرى علوان أنَّ "الإقامة الجبريَّة في مواجهة فيروس كورونا، فرضت علينا منع التجوال والتجمع في البيت، فكان لزاماً أنْ نتشاور ديمقراطياً في اختيار الكتب والأفلام ، فشاهدنا الكثير منها، خلال الأيام الماضية، فأنا مثلاً أعيد دائماً مشاهدة الأفلام الإيرانيَّة، لا سيما أعمال مخرجي المفضل كياروستمي، وشاهدت كذلك فيلم "طريق العودة " للمخرج غافلين اوكونو، الذي يحكي قصة رياضي أدمن الكحول فخسر أسرته، لكنه قاوم الإدمان وعاد الى حياته، وتابعت بتركيز الفيلم المصري "الضيف" لهادي الباجوري وكتابة إبراهيم عيسى، وأهميته لا تنبع من تناوله المسكوت عنه وحسب، إنما من طريقة معالجته، إذ صور معظم الفيلم في مكانٍ واحد، وهو عبارة عن حوارٍ طويل بين مفكر متنور وإرهابي، وقضيت أوقاتاً سعيدة مع رائعة تيرانس ماليك "الحياة الخفيَّة" الذي حفزني على مشاهدة أفلامه الأخرى، التي تدور حول أسئلة الحياة الكبرى، وهو ما جعل سينما هوليوود مجرد سيرك تسلية مقارنة به".
فيفيان غانم الجبوري: السينما عالمٌ ساحرٌ لاقترانه بالحياة
"لا تقتصر اهتمامات الإعلاميين خصوصاً، والمثقفين عموماً على مشاهدة الأفلام فقط، فثمة القراءة ومتابعة ما يخص عملهم، فضلاً عن متابعة شؤون البيت وتدبيره"، هذا تقوله الإعلامية ومقدمة البرامج فيفيان الجابري، وتزيد: "بالنسبة لي أمتع اللحظات تلك التي أتابع فيها جديد أفلام الغموض والحركة والتحقيق والتحري وألعاب العقل، فضلاً عن الأفلام النفسية والأنيميشن، ومن الأفلام التي شدتني "حيوانات ليلية" الذي يتسم بالغموض والقدرية والتشاؤم والسرد المتناوب بين الماضي والحاضر، إذ يتميز يحبكة متماسكة وأداء تمثيلي قوي ومبهر لن ينساه المشاهد، أخرجه وكتب السيناريو له المصمم الشهير توم فورد عن رواية بذات الاسم لاوسنن رايت.. ومن الأفلام التي أحببتها كثيراً فيلم الانيميشن الساحر "كوبو والوتران" للمخرج ترافيس نايت، فتنة الفيلم سحره، نابعٌ من استخدامه تقنية طي الورق اليابانيَّة في الرسومات ما جعله متفرداً وعبقرياً، وتمتعت أيضاً بمشاهدة فيلم الكوميديا السوداء "الأرنب جوجو" الفائز بجائزة أفضل سيناريو مقتبس في أوسكار 2020، الفيلم جريء وساخر ويتحدث عن الحقبة النازيَّة وتغييب الوعي من خلال بروباغاندا صارمة". وتؤكد الجابري أنَّ السينما "عالم ساحر لا يمل لاقترانه بالحياة".
فراس الشاروط: خليك بالبيت وتحيا السينما
ليس اعتباطاً أنْ تكون السينما أهم اختراعات القرن العشرين، حسب استفتاءات المجلات العالميَّة في نهاية القرن الماضي، فها هي السينما تثبت مرة أخرى – بالفعل – أنها أهم الاختراعات البشريَّة، وفي ظل الحجر المفروض يلجأ المهتمون بالسينما سواء كانوا عاملين فيها، أو من الشغوفين بها الى مشاهدة الأفلام لتمضية الوقت، فهي فعلاً مصدرٌ للمعرفة والمتعة.
بين الكم الهائل من المنتج السينمائي العالمي والعربي أجدني وسط هذا (العزل) وبعد انقضاء وتوقف سباق المهرجانات السينمائيَّة الى مواكبة ما فات من الأفلام (هذه المرة عن طريق التلفاز، أو قنوات الشبكات الفيلميَّة) بنستولوجيا الى أفلام الكلاسيك وإعادة مشاهدة ما فات (بفرصة التسابق مع الزمن)، كما أجدني مشدوداً الى الوثائقيات أكثر، وتمتعت بفيلم بازوليني "لقاءات غراميَّة"(1964).
ومن الأفلام التي استهوتني الفيلم الوثائقي "الاسكوباران" لـجيف وميشيل زيم لست، الذي يروي قصة رجلين كولومبيين راحلين وهما لاعب كرة القدم أندريس إسكوبار وأشهر تاجر مخدرات في العالم بابلو إسكوبار، وكم استمتعت بسينما (غودار) الملهم دائماً، وبشكل أقل في بعض الأحيان للكوميديا، والأكشن كمحطة استرخاء.. "خليك بالبيت وتحيا السينما".
مهدي زاهد: مشاهدة الأفلام أشبه بـ "أدب السجون"
أرى أنَّ "مشاهدة الأفلام في زمن الكورونا، أشبه بأدب السجون، لأنها تفرض علينا الإقامة الجبريَّة، وهي بالتالي لا تأتي بدافع الرغبة، إنما كبديلٍ لإشغال الوقت".
"كانت الأفلام الكوميديَّة على صدارة اختياراتي للتكيف مع الأجواء، منها: أفلام أحمد حلمي، وجيم كيري، وجاكي شان، وبعدها الأفلام الاجتماعيَّة، على شاكلة "المرأة الصغيرة" (2019)، والبولندي "الحرب الباردة" (2018)، الذي يحكي قصة حب مستعرة، وحرصت أيضاً على مشاهدة أفلام المخرج تيرينس ماليك المميزة، التي أحرص على مشاهدتها قبل بزوغ الفجر وحتى مطلع الشمس لاستشعار ماهيتها".
ويضيف "وبحكم تخصصي فأنا أميلُ الى الأفلام الوثائقيَّة، فشاهدت "الى سما"، وفيلم "كود: ريويتشي ساكاموتو" (2017) حكاية الموسيقار الياباني الأوسكاري ساكاموتو، فضلاً عن ولعي بأفلام الرسوم المتحركة، على شاكلة: القديم الجديد "توم وجوري"، و"اونورد" (2020) عن قصة شقيقين يسعيان للعثور على قطعة أثريَّة تخص والدهما المتوفى.
"وبهذا أتفق مع فكرة الاستطلاع، فلا خوف على كل من يمتلك اهتماماً وشغفا بالأشياء، شرط أنْ يكون البال خالياً من هاجس "العيشة"، فضلاً عن الخوف من المجهول".