الكاتب والإعلان !!

الصفحة الاخيرة 2020/04/07
...

حسن العاني 
 
في عام 1999 صدر أمر رئاسي يقضي بمنعي عن الكتابة نهائياً في أي وسيلة اعلامية او نشرة مدرسية، ولذلك حين تهاوى تمثال الفردوس، عدت الى عالم الكتابة بشوق حقيقي وتوزعت بين عدد كبير من المطبوعات، غير مبال بشروط الصحة وتقدم العمر، ولكنني تداركت نفسي من ذلك التوزع القاتل ورحت ارفض اي عرض جديد للكتابة .
كان العهد الذي قطعته على نفسي صارماً ولهذا حين اتصل بي زميل قريب الى قلبي، وعرض عليّ كتابة عمود في الجريدة التي ينوي اصدارها، اعتذرت له بمتاعبي الصحية، غير انه قال لي بلهجة تنطوي على تأنيب مبطن” سأرجئ اصدار الجريدة شهرين ريثما تتعافى” وقد اجفلني هذا الكلام، فقلت له على الفور” ارجوك ان تشرع بالطبع حالاً، واعدك انني سأوافيك بالكتابة بمجرد ان تتحسن صحتي، ثم لست بالكاتب الذي يقف القراء في طابور الانتظار حتى يطل عليهم” ، وردّ عليّ الرجل بعبارات تثير نرجسية القديسين” يبدو أنك لا تعرف قدر نفسك كما نعرفها نحن ويعرفها القراء، أنت كاتب كبير وأنا أراهن عليك لنجاح جريدتي»!.
لم يمض اسبوع على ذلك الحوار حتى اتصل بي مجدداً للاطمئنان على صحتي، وتجديد العرض، وانه ما زال عند كلمته وسيؤخر الاصدار مدة شهرين، ووجدت أن الرجل مصمم على استكتابي، حتى ولو بقوة السلاح، ولهذا خطرت على بالي فكرة” جهنمية” تساعدني على الافلات، وهي ان اطلب منه” اجوراً” خيالية، ولم اتردد في طلبي، غير انني فوجئت بضحكة عالية” هل تدري ان الاجور التي خصصتها لك هي ضعف ما تطلبه” وانتصر الرجل عليّ وعلى افكاري الجهنمية وفوضت امري الى الله!!
شرعت بالكتابة وزودته بالأعمدة وصدر العدد الاول من الجريدة ، ومعه (عمودي الاول)، وقد اختاروا له مكاناً متميزاً، واولوه رعاية واضحة في التصميم، وهو ما دعاني الى الاتصال هاتفياً بالرجل وابلاغه عظيم امتناني، ثم صدر العدد الثاني ولم يصدر معه عمودي بعد ان احتل اعلان كبير نصف الصفحة، ولذلك قمت بزيارة الرجل في مكتبه، فاستقبلني بالأحضان، الا انني قلت له من دون مقدمات” نحن اصدقاء وارجو ألا يكون كلامي سبباً لتعكير الصداقة” اجابني” مو عيب هذا الكلام كيف ازعل منك” قلت له” سأتوقف عن الكتابة لانك فضلت اعلاناً على عمودي لذا اعتذر عن الاستمرار” قال لي” ما دمنا اصدقاء سأخبرك شيئاً وأرجو ألا تزعل: هل تعرف ان اعلاناً واحداً ينشر في الجريدة هو عندي افضل من خمسين عموداً من اعمدتك، لقد قبضت من ورائه ثلاثة ملايين دينار، فماذا اقبض من وراء كتاباتك غير وجع الرأس!! طأطأت رأسي ولزمت الصمت وغادرت المكان منكسراً وقد ذبلت نرجسيتي بعد ان اكتشفت انني لا أساوي نصف إعلان في الجريدة”!.