زهير الجبوري
أصبح تاريخ التاسع من نيسان من العام 2003 هو تاريخ التحوّل الجذري الذي شهدته الساحة العراقية في كلّ جوانبها السياسية والاجتماعية والبيئية والفكرية، ومنها انطلق الإنسان العراقي في فضاءات غير مألوفة، أو بالأحرى العيش في أجواء غير معتاد عليها من خلال التحوّل الذي رافقه لفترة طويلة، وهو السير على إيقاع السلطة الواحدة والحكم الواحد وتنفيذ القرارات الواحدة، ولعلّ كسر هذه التراتبية انطوى على تشظّي الآراء في الأفكار وفرصة تكريسها من دون رقيب، أو فرصة تأسيس مشاريع تنويرية مناهضة للمجتمع المتطعش آنذاك إلى كسر نمطية ثابت الحياة، ليصبح البلد ساحة رخوة تتنازع فيها كلّ جهات التنفيذ والتكريس لجهة معينة، سواء كانت دينية، أو ليبرالية، أو ملكية، أو غير ذلك. ولكن ما سبب هذا التحول وماذا تريد الجهة التي قامت في ذلك؟ كما هو واضح فإنّ سبب التحوّل هو الجانب الكولونيالي الأميركي بعد سلسلة من الاتهامات والحرب الإعلامية بحجة امتلاك العراق أسلحةَ الدمار الشامل وغير ذلك من الاتهامات التي أصبحت شماعة لشرعية الدخول إلى مناطق العراق، ويناظر ذلك أنّ الكثير من أبناء الشعب العراقي مرّوا بظروف قاهرة عبر حروب ووضع اقتصادي منهار، فكانت النتيجة قبول أيّة حالة تخلصه من حاكمية الدولة، وفي الوقت ذاته سوّغت (الإدارة الأميركية) شرعية دخولها أرض العراق بنقاط عديدة، منها (نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ولو بالقوة العسكرية، وتغيير أنظمة الحكم الرسمية للدول)، والعراق أول الدول بلا شك.
ما شهده البلد في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي (9 نيسان- أبريل 2003) هو صراع ديالكتيكي متنافر ويمتد حتى يومنا هذا، إذِ المجتمع العراقي متعدد الأطياف والقوميات والأديان والأقليات والتوجهات الآيديولوجية المهيمنة منذ عقود، الأمر الذي جعل هناك تصادما فكريا مستمرا في كل فترة وفي كل ظرف يتحدد فيه مصير البلد، ولكلّ توجّه ديني أو فكري نظامه الخاص وبرنامجه الذي يعمل عليه، وإذا كان زمن حزب الواحدية شهد إقصاءً واضحا لها، فإنّ الفكر له جذر وله قناعة وعقيدة، ما إن يجد الفرصة المؤاتية حتى يظهر، وهذا ما حصل حين نستذكر في التاريخ ذاته (استشهاد السيد محمد باقر الصدر)، وللسيد الشهيد آثار في الفكر والمعرفة من خلال إصداراته المعروفة وسعة علميته، وهذا ما جعل له جذراً قوياً في تكريس علمه أولاً، وسعة مساحته ثانياً، بمعنى أصبح مدرسة معرفية تتداول من خلالها أصول الدين وعلوم المعرفة الأخرى، ولأنّ الصدر (قدس سرّه) ابن بيئة دينية وفي مجتمع أغلبيته دينية، فبقاؤه في ضمير الناس أمر طبيعي، لينبثق من جديد بصراحة حضوره ومباشرة تداول علمه ومعرفته في فترة سقوط حزب الواحدية في العراق.
من خلال ذلك، فإنّ للتاسع من نيسان 2003 دورا كبيرا في رجوع كلّ إنسان عراقي إلى ممارسة ما يرغب في انتمائه العرقي والطائفي والفكري، على رغم الأحداث المضطربة والمؤسفة، سنوات الإرهاب وشيوع الفساد العلني.