ماذا يفعل المثقف بعزلته الجديدة؟

ثقافة 2020/04/11
...

صلاح حسن السيلاوي
 
هل يجد المثقف العراقي  في العزلة التي فرضها كورونا على العالم جانباً إيجابياً  للكتابة والقراءة ؟ ماذا عن الاختلاف الذي فرضته هذه الأزمة على طبيعة الكتابة والقراءة؟ ، كيف يحصل المبدع العراقي على كتابه؟ وأين يمضي بمنجزه؟
 

عزلة اجباريَّة
الروائي علي حسين عبيد يرى أن العزلة بمفهومها العام ليست جديدة على المثقفين والمفكرين والمبدعين، لكن عزلة الكورونا الحالية مختلفة تماماً، إنها عزلة إجبارية تهدد الجميع بالموت، والمشكلة ان القاتل خفي تماماً، لذلك يرافق هذه العزلة قلق هائل يسبب ضغوطاً كبيرة على المثقف، ومع ذلك هناك من يستثمرها لصالحه بطريقة أو أخرى، وأشار عبيد إلى مواكبة بعض المثقفين للحدث لحظة بلحظة وتدوين الهواجس والأفكار  في مواقع التواصل على مدار اليوم، وبعضهم يحتفظ بملاحظات ومشاهدات ومفارقات بعضها مؤلم ويحتفظ بها كرؤوس أقلام في مفكرته أو ذاكرته، لتصبح فيما بعد مشروعاً فكرياً أو أدبياً، رواية وقصة أو قصيدة . 
وأضاف عبيد متحدثاً عن فعله الابداعي في ظل هذه العزلة بقوله :  أنا شخصياً تفاعلت مع انعكاسات هذه الأزمة المعقدة وكتبت قصة قصيرة بعنوان "عزلة الكورونا" وأرسلتها لـ" الصباح" للنشر، كذلك حاولت الاستفادة من عمودي الأسبوعي (كاميرا السبت)، فصرتُ ألتقط مشاهدات من زمن كورونا وأنشرها في هذا العمود، وفي كل الأحوال لن تمر هذه الجائحة دون أن تترك آثارها الهائلة على الأدب العالمي والفكر والثقافة، أما بخصوص الكتاب، فالانترنت عوَّض لنا ذلك فيمكننا الحصول على كتب متنوعة عبر التحميل الإلكتروني، وبخصوص لمن يكتب الكاتب، أظن أن جمهورنا اليوم موجود في مواقع التواصل خصوصاً "الفيس بوك"، فهو الجدار الحر الذي نكتب فيه هواجسنا ومخاوفنا ونصائحنا وتجاربنا في كل يوم بل في كل ساعة، فصار رواد "الفيس بوك" جمهور الكتّاب يتابعونهم ويشكل هذا نوعاً من التشجيع لمواصلة الإبداع.. إنها تجربة جديدة على الأدباء والمثقفين، بل كورونا تجربة تمر بالعالم لأول مرة وستترك آثارها وبصمتها العميقة في الذاكرة العالمية..
 
حالة تأمل
الشاعر عمر الدليمي يعد العزلة ثقافة يتعامل معها المبدع بحساسية مختلفة عما هي عليه عند الاخرين ، فهي حالة تأمل ومساحة للنظر لكل ما يحيط به من اجل اعادة صياغة المواقف وربما الانتقال الى حال اخرى في كل ما يخص حياته وحياة المجتمع المحيط به وتخصصه الابداعي على حد قوله ، ولفت الدليمي إلى أنه يرى العزلة الحالية  حالةً من الوقوف على تلة والنظر للحياة بعين اكثر صفاء لاكتشاف التفاصيل بدقة اكبر . مشيراً إلى انه عاش متعة هذه العزلة بسبب تفشي وباء كورونا ، وقال موضحاً : اقرأ أحياناً حيث تنتظر العديد من الاصدارات في مجالات مختلفة دورها للقراءة ، وفي احيان اخرى اكتب حتى لو كانت تمارين في الكتابة كي لا افقد صلتي بها لذلك تجد العديد من النتف المتروكة في حاسوبي . وفي جانب آخر اهتم باسرتي ، لكني اود القول ان الحظر الجماعي العام مختلف عما عليه الاختيار الطوعي لذلك وجدت – خلال العزلة العامة – عدداً من افراد اسرتي يشاركونني هذه العزلة وفيهم من يتذمر وفيهم القانع استجابة للدعوة العامة ، وهذا التواجد الاسري فتح حوارات ربما ما كان ليتوفر لها الوقت لإخراجها بهذا الغنى ، وهذا ما اعده جانباً ايجابياً فيما يخص العلاقة الاسرية . وعلى الرغم من التسليم بأن الابداع الحقيقي هو الابن الشرعي للحياة العملية الا انني اجد في هذه الايام من العزلة فرصة لكل الاصدقاء المبدعين من اجل مزيد من القراءة او الانتاج الادبي خاصة لمن يكتب في مجالات تحتاج الى مساحات واسعة من الوقت كالرواية والنقد الادبي والفلسفة وغيرها .
 
جانب إيجابي
الشاعر فاهم العيساوي تحدث بوصفه قارئاً وكاتباً مشيراً إلى أنَّه يجد في العزلةِ التي فرضَها كورونا على العالم جانباً إيجابياً للكتابةِ والقراءةِ وفرصةً كبيرةً لمن يشكو ضيقَ الوقتِ لأنَّه مفرَّغٌ تمامًا لهما في هذا الوقت، وأضاف العيساوي قائلاً : لا أقصدُ في العزلةِ إلا العزلةَ المكانيةَ فنحنُ متواصلونَ مع أصدقائِنا وأهلينا عبرَ مواقع التواصل الاجتماعي (النت)، وهذا (النَّت) هو المكتبةُ الكبرى التي بإمكاننا الاستعارةُ منها في أي وقت، فضلاً عن مكتباتِنا الورقية الخاصَّةِ التي جمعناها منذ مدة طويلة ولم نَجدِ الوقت الكافي لقراءتها وقد جاءَ الدّورُ لبعضها، هذا بالنّسبة للقراءة، وأَمّا بالنِّسبة للكتابات وأنواعها، فعلى صعيد كتاباتنا العلميَّة والتي نتأمَّل أن ينتفعَ بها غيرُنا، فهي مستمرَّةٌ في جميع الظّروف، وأمّا كتاباتنا الشعرية فقد توزَّعت على نوعينِ؛ نوعٍ مرافِقٍ للحدث فقد يكون للفكاهة وقد يكون نظماً للنُّصحِ، ونوعٍ وجدانيٍّ ذاتيٍّ تأثَّر بكورونا وقد يتأثَّرُ أكثرَ مستقبلاً لما لهذا المرض من آثار روحيَّة على روحيَّة الكاتب، هذا ما أتوقَّعُه من الجميع، وأَمّا بالنسبة لكتاباتي أنا، فقد نظمت مقطوعةً فكاهيَّةً ناصحة وضعتها على جداري الخاص مطلعُها: 
( ببيتِكَ لم تَسَلْ عنكَ الكورونا.. ولم تَمرَضْ ولا هُم يحزنونا) وغير ذلك في الشِّعرِ، كتبتُ قصيدةَ مناجاة سوف أنشرُها بعد اكتمالها، وأمّا على الصَّعيد العلمي فأنا أعملُ منذُ مدَّةٍ غيرِ قليلةٍ على إعرابِ القرآن بنهجٍ جديد. 
 
تغيير النسق اليومي
الشاعر حسين الدايني قال : الجانب المفيد في العزلة التي فرضها كورونا ربما هي تغيير النسق اليومي وتأخير كثير من الاولويات وتقدم غيرها عليها , والانغماس في شؤون يومية لم تكن للرجل يد بها , الامور البيتية , وبالتالي ربما هذه العزلة ستضيف كثيراً من الحميمية على نتاج الاديب وايضاً كثفت من شعور الوحدة عند بعض من المثقفين , العزلة منحتنا وقتاً اضافياً للقراءة والاطلاع وفتح نوافذ جديدة على ما يدور من نشاطات ادبية اغلبها كان في كتب مصفوفة على رفوف مكتباتنا , هي فرصة لمراجعة كثير من المفاهيم القارة في وعينا ولا وعينا وبالتالي ربما ستتغير نظرتنا لها ما يؤدي الى تغيير نمط وسلوك حياتنا بصورة عامة , وحياتنا الادبية بصورة خاصة , احصل على الكتاب الذي اريد قراءته من مكتبتي او من السوشيال ميديا . اين امضي بكتاباتي ؟  لم تتبلور اتجاهات معينة تشير لها بوصلتي حتى الان , ربما ان المرحلة لم تنته وما زلنا نعيشها , ربما تكون عندي كتابات بنت اللحظة , لكن الركوز سيأتي بعد هضم مقدمات ونتائج مرحلة
العزلة.