مساعدات ماديَّة وصحيَّة مشروطة للحدّ من تفشي الأميَّة بين الأطفال

ريبورتاج 2020/04/11
...

بغداد/ بشير خزعل 
 

قبل انتشار وباء كورونا كان أغلب صبية وأطفال بعض مناطق القرى والأرياف القريبة من المدن يسعون إلى أعمالهم اليوميَّة في الرعي والزراعة وأعمال أخرى في ورش ومعامل مختلفة، فمنهم من ترك الدراسة بسبب الأوضاع المادية لأسرهم الفقيرة، أو لعدم وجود رقابة قانونية على ترك الأطفال التعليمَ. حظر التجوال وتغيّر معالم الحياة وتوقف أغلب نشاطاتها بسبب فيروس كورونا أدى بفئات وشرائح اجتماعية مختلفة إلى تغيير نمط حياتها وتكيّفها مع الواقع الجديد، وأثار رغبة العودة إلى التعليم عند أطفال وصبية تركوا الدراسة بعد أن أرهقهم البقاء في المنزل وعدم التمكن من التواصل مع الآخرين لعدم قدرتهم على القراءة، أو استخدام أغلب وسائل العصر الحديثة في الاطلاع والاتصال.
 

 أسباب
 ظاهرة انتشار فئات عمرية مختلفة لأطفال وصبية لا يعرفون القراءة والكتابة إمّا بسبب ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، وإمّا حالات تسيّب لانعدام الرقابة الأسريّة والمؤسساتية، أدّى إلى شيوع تفشّي الأمّية وتقليص دور التعليم في أوساط وشرائح اجتماعية مختلفة.
 
حالات
عربات وبسطيات لبيع الخضراوات ومنتجات زراعية لحقول وأراض زراعية قريبة من المدن الحضرية أغلب من يديرها صغار سنّ تتراوح أعمارهم من (10 – 14) سنة، توقّفوا عن العمل منذ شهر تقريبا بسبب حظر التجوال في أغلب المدن العراقية، يقول فاضل حسن عبد الله (12 سنة): لم يعد بإمكاني العمل بسبب حظر التجوال، فبيتي بعيد جدا عن السوق الذي أبيع فيه الخضروات التي نزرعها في المزرعة، لأنّي يجب أن أقطع مسافة ساعة بالسيارة للوصول إلى السوق، علماً إنّي أخرج مع طلوع الفجر والشوارع تكون فارغة، لكن بعد حظر التجوال لم يعد بوسعي الذهاب أو الإياب، الأمر الذي اضطرني للجلوس بالمنزل ومواجهة مشكلة جديدة في حياتي، وهي عدم قدرتي على القراءة ومعرفة ما يجري من حولنا، فأبواي لا يعرفون القراءة، وأخوتي أيضا، ولا أعرف شيئاً عن الإنترنت واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
 
صعوبات
خلف السدّة التُّرابية التي بُنِيتْ في نهاية خمسينيات القرن الماضي لحماية بغداد من الفيضان آنذاك، تراكمت آلاف البيوت بشكل عشوائي، وأصبحت الأحياء السكنية متداخلة ببعضها، وهي مغبرة في الصيف وموحلة في الشتاء، ولا يمكن الحركة فيها إلّا بسيارات (الواز) التي لم تكلّ عن عملها في الجيش منذ أكثر من نصف قرن مضى، وما زالت تمثّل وسيلة النقل الأساسية في تلك المناطق. في أحد البيوتات تحدّث لنا أحد سكنة المنطقة عن معناتهم من شحّة ماء الشرب وصعوبة العلاج لدى الأطباء بسبب غلاء أسعار الفحوصات والأدوية، الأمر الذي اضطرهم إلى اللجوء إلى الطبّ الشعبي الذي جاء بنتائج عكسية في حالات كثيرة، يقول خضير هادي المياحي (44) سنة: أغلب الصبية والفتيات، في سن السابعة وحتى الخامسة عشر، تركوا المدارس للتفرّغ للعمل من أجل إعانة أُسرهم في استحصال ثمن قوتهم اليومي، فبعض الأُسر لديها خمسة أو سبعة أبناء، وأغلبهم في سنّ متقاربة، وهؤلاء يحتاجون إلى مصاريف إذا كانوا طلاباً في المدارس حتّى وإن كانت الدراسة مجانية. 
 
قانون
 الدكتور عبد الرحيم الشمري، أستاذ علم النفس في جامعة بغداد بيّن: إنّ البرامج التي تتم عن طريق تقديم إعانات مادّية لن تحلّ مشكلة في أساسها قائمة على ما توفره الدولة من مؤسسات خدمية تؤدي مهامها وفق قانون صارم وملزم للآباء والأمهات تجاه أبنائهم، فحتما إنّ الأُسر ستكون مجبرة على عدم استغلال الأطفال في العمل وترك المدرسة، لأنّها ستكون أمام مساءلة قانونية، وفي الوقت نفسه ستكون تلك المؤسسات ملزمة برفع الأعباء المادية عن كاهل الأسر الفقيرة في الجانب الصحي والتعليمي والاجتماعي والاقتصادي، فعندما نتحدث عن الوضع الصحي نعني بذلك توفير العلاج والرعاية الطبّية من أبسط الأمراض إلى أعقدها وأصعبها، وفي جانب التعليم من الدراسة الابتدائية إلى توفير السكن والراتب لطلبة الجامعات والمعاهد في المدن والحافظات البعيدة عن سكن الأسرة، فضلا عن تخصيص رواتب شهرية تتناسب مع وضع الأسرة وظروفها ليتفرّغ الأبناء للتعليم من دون ضغوطات نفسية تؤدي إلى ترك الدراسة.
 
إعانة مشروطة
الباحث في شؤون التعليم، كاظم هاشم السراي، أكّد: إنّ مسؤولية تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية للفقراء والمحتاجين والمعوقين والمسنّين والأيتام وغيرهم تقع على عاتق الدولة، وأنّ قانون الرعاية رقم (126) لسنة 1980 المعدل هو السند التشريعي الأساس للخدمات المقدمة لتلك الفئات، فضلا عن اشراك المشمول براتب رعاية الأسرة في العمل كهدف أساس من أهداف القانون المذكور. وأشار السرّاي إلى برنامج وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الخاص بالإعانة المشروطة بإنّه برنامج تشجيعي مهم لإعادة الأطفال المتسرّبين من المدارس، وتحقيق واقع صحّي مشجّع للأسر المعوزة، التي بلغت نسبة التخلف الاجتماعي والثقافي فيها نِسَباً كبيرة.
 
برامج
المتحدث باسم هيئة الحماية الاجتماعية بالوزارة، عمار منعم، قال: إنّ برنامج الإعانة المشروطة طُبّق في 55 دولة، ويستهدف الأسرة التي لديها أطفال من عمر يوم حتّى ستّة أعوام، ومن تسعة إلى أربعة عشر عاما، وهو سنّ التسرّب من المقاعد الدراسية، فضلا عن الأمّهات الحوامل والمرضعات والمربيات. وبيّن أنّ وزارته ستطبق البرنامج بشكل تجريبي للمستفيدين من رواتب الحماية بهدف تشجيعهم على إرسال ذويهم إلى الدراسة مع إجبارهم على تسجيل الأطفال من دون سنّ الخمس سنوات.
والنساء الحوامل ضمن برامج وزارة الصحة للرّعاية الصحّية ورعاية الحوامل.
وأضاف منعم: إنّ البرنامج سيُطبّق في شهر أيلول المقبل بمنطقة الصدر الثانية، كونها منطقة فقيرة وتجمع بين الرّيف والمدينة، فضلا عن قربها من مقرّ الوزارة، لافتاً إلى أنّ وزارته حاولت تطبيقه أيضا في قضاء الجبايش، بمحافظة ذي قار، إلّا أنّ نقصاً في الملاكات الطبّية والمستوصفات حال دون ذلك. وأشار إلى أنّ عدم استجابة الأسر إلى البرنامج سيؤدي إلى قطع الإعانة المشروطة والإبقاء على الراتب الممنوح للمستفيد فقط، موضّحاً أنّ البرنامج سيطبق بالتعاون مع وزارات المالية والتربية والصحة والتخطيط، فضلا عن البنك الدولي ومنظمة (اليونسيف).
وذكر المتحدث باسم هيئة الحماية الاجتماعية أنّ البرنامج التجريبي سيطبق لمدة عامين، ليشمل بعدها المستفيدين في عموم المحافظات، لافتاً إلى أنّ الهدف من تطبيقه يأتي ضمن دعم الفئات المستفيدة وتشجيعها مادّياً للإفادة من الخدمات الطبّية والتعليمية التي تقدمها الدولة، لا سيّما في المناطق التي تشهد ارتفاعا في أعداد المتسرّبين من المقاعد الدراسية وغير المسجّلين في برامج الرعاية الصحية التي تضمن تلقي الأطفال والنساء الحوامل اللقاحات اللازمة. وأشار إلى أنّ وزارته كانت قد عقدت اجتماعا دوريا مع وفد البنك الدولي لاستكمال بحث التعاون المشترك في مجال الحماية الاجتماعية والدعم المقدم من المنظمة الدولية لتنفيذ خطط إعانة الأسر الفقيرة، وأنّ الوفد اطّلع على خطوات حول برنامج الإعانات النقدية المشروطة، خصوصا وأنّ البنك حثّ الوزارة على إعطاء الإناث الأولويّة في تطبيق خططها وبرامجها، لأنّ نسبة الإناث في سوق العمل العراقية لا تتعدى 15 بالمئة، إذ تعدُّ متدنّية جدا مقارنة بالذكور.