علي رياح
يقولون «صناعة الهداف» ونقول «تطوير موهبة الهداف» .. والفرق بين العبارتين شاسع كأن بينهما بحراً، حين نتحدث بلغة كرة القدم، ولا نرمي الكلام على عواهنه، وحين نستعرض العشرات من النماذج التهديفية العراقية والأجنبية، التي طبقت شهرتها الآفاق، وكانت أسماؤها مُحلـّقة في دنيا النجاح!
فاللاعب الهداف لا تتم فبركته في وحدة تدريبية، ولا تُسلـَّم إليه شهادة بذلك بعد اجتيازه امتحاناً تحريرياً لازماً عن أبعاد المرمى، وزاوية وقوف الحارس، وكيفية إرسال الكرة إلى المكان وفي الزمان المناسبين، إنما هو لاعب لديه «البذرة» التي يمكن رعايتها كي تنمو وتصبح ماثلة للعيان .. ولولا هذا، لوجدنا الهدافين لدينا ولدى الأغراب بالمئات، ولقرأنا كل يوم عن ولادة ألف هداف كروي في أرجاء المعمورة، تتساوى في ذلك الفرق الشهيرة مع المغمورة!
ونصل إلى صلب الموضوع إذا سلـّمنا بطرفي المعادلة.. الأول توافر الموهبة أو الفطرة.. والثاني إحاطتها بالأسلوب الأنسب في التدريب والذي «يطوّر» اللاعب، بمعنى أن التدريب عامل على جانب كبير من الأهمية هنا، وإلا لتوارت موهبة اللاعب خلف ستارة الإهمال!
يقول هاري كين نجم توتنهام والمنتخب الانكليزي في حديث لمجلة «ماتش» اللندنية: أصعب ما في كرة القدم أن تعثر على لاعب هداف.. أقصد هنا المهاجم الذي يملك موهبة التسجيل.. هذا كلام أردّده دوما ليس لأنني واحد من الهدافين المُبرزين الآن في الفرق الإنكليزية، ولكني أراه في عيون المدربين، الذين يتعذبون حين ُيتاح لهم كل شيء في المباراة، ولا يجدون القدم أو الرأس الماهرة، التي تضع الكرة في الشباك وتنهي المعاناة أو الانتظار!
ويضيف كين: يكاد أمرا عصيّا أو حتى مستحيلا، أن تجد خمسة لاعبين في العالم كله بمهارة ميسي أو رونالدو أمام المرمى.. ربما تكون هنالك مواهب واعدة، لم يجر اكتشافها بعد، لكن ما أراه بأم عيني يدعونني إلى الشك في وجود عددٍ كافٍ من الهدافين في كل مكان!
هذه الأفكار وجدتها ماثلة في الذهن لدى قراءة صحيفة عراقية عمرها (51) سنة، يتحدث فيها اللاعب الفذ عمو بابا عن نصيحته لأي لاعب في مقتبل العمر لديه ميول لإحراز الأهداف.. يقول عمو.. «أنا الآن اتدرب لزيادة قدرتي على إحراز الأهداف بالاعتماد على علبة كبريت، أضعها في مكان محدد على خط المرمى وأصوّب الكرة نحوها، وكثيراً ما أخطئ في التنفيذ، لكنني أيضا كنت أسدد نحو هذه العلبة بدقة في بعض الأحيان.. وهذه المهارة اكتسبتها بالتدريب، لكن في الأصل لا بد من أن تكون البداية في الموهبة» !
علبة كبريت؟! اتساءل بعد قراءتي كلمات النجم الراحل لعبا وتدريبا، وبلغة لاعبي أيام زمان، وبإخلاصهم، وبحصصهم الذاتية الشخصية الإضافية في التدريب، تبدو المسألة ممكنة ولا يلفـّها العجب.. أما بلغة لاعبي هذا العصر، فالمسألة نفسها تبدو معقدة كثيرا.. وربما يستغرقون في الضحك لسذاجتها .. برأيهم!ـ